سلمان بن محمد العُمري
في هذه الأوقات التي يسعى فيها بعض الأشرار من الداخل والفجار من الخارج لزعزعة الأمن في بلادنا، والإخلال بها، وهم يائسون عاجزون فإن ثمن المحافظة على الأمن قد تكون أرواح وأنفس الشهداء الذين يموتون لننعم بنعمة الدين ونعمة الأمن.
وهؤلاء الشهداء من رجال الأمن بذلوا أرواحهم في سبيل الله - عز وجل - وحماية البلاد والعباد من أهل الزيغ والفساد قدّموا أرواحهم ليدوم - بإذن الله - الأمن في وطننا وهي نعمة عظيمة من أعظم النعم التي أنعم الله بها - عز وجل - علينا والتي لو ضاعت لقتل الآلاف من الناس وقلق الملايين، وهذه البلاد من حولنا التي فقد فيها الأمن، كم نسمع ونرى فيها كل يوم من القتل، والظلم، والسرقة، والاغتصاب، والفوضى بسبب قلة الأمن، وهؤلاء الذين استشهدوا كانوا سبباً بعد الله - تبارك وتعالى - في دوام حفظ الأمن. فكم منعوا من المجرمين والمفسدين وأفشلوا مخططاتهم وخياناتهم.
وقد نال هؤلاء الأبطال شرفاً عظيمً ألا وهو نيل الشهادة في سبيل الله - عز وجل - وما أعظمها من شرف لما فيها عند الله - سبحانه وتعالى - من الأجر والمثوبة، يقول الله - تبارك وتعالى -: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أحياء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين (171)) [آل عمران]. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ أحد يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأرض مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ) [صحيح مسلم].
مواساة عملية.
لقد اغرورقت عيناي بالدموع، واحتبست الحسرات في الصدر، وأنا أتطلع عبر التلفاز إلى أبناء وبنات الشهداء من ضحايا العمليات الإرهابية من العسكريين والمدنيين، بعد أن فقدوا هؤلاء الأطفال الأبرياء آباءهم دونما ذنب اقترفوه هم أو آباؤهم، إلا إذا كان أداء الواجب وحماية الأمن ذنباً، بعض هؤلاء الأطفال ما زالوا في سنوات طفولتهم الأولى، ولم تدرك عقولهم بَعْدُ حجم ما أصابهم من مصيبة بفقد والدهم، ولا يعرف سبباً لدموع أمه التي لا تجف، فتراه يلعب ويمرح مأخوذاً مشدوهاً بتلك الإضاءة المنبعثة من عدسات وكاميرات وسائل الإعلام التي راحت تنقل بعضاً من المشاعر الحزينة التي تؤكد بشاعة هذه الأعمال الإجرامية.
أعترف أنني مثل أي إنسان عادي، وأب له أبناء يحبهم ويخاف عليهم، وشعر بمرارة اليتم وحرقته بفقد الوالدين في سن مبكرة، شعرت بقلق على مستقبل هؤلاء الأطفال بعد أن فقدوا عائلهم، وفقدوا معه الأمان والحب، تراءت أمام ناظري صور مخيفة لما يمكن أن يكون عليه هؤلاء الأطفال، وما ينتظرهم من أيام ما زالت ملامحها غامضة.
وبدافع من الاعتراف بفضل الشهداء، آباء هؤلاء الأطفال ممن نالوا شرف الشهادة، وهم يؤدون واجبهم في حماية الأمن، أو يساهمون في بناء مستقبل أفضل لأبناء وطننا جميعاً، كل في نطاق عمله، بدأت أفكر، كيف أخفف بعضاً من آلام ومعاناة هؤلاء الأطفال، فلا شيء يعوض فقد الأب أو الأخ، أدركت وأنا أتمالك نفسي تدريجياً أن لهؤلاء الشهداء آباء وأمهات بعضهم وصل سناً لا يستطيع فيها أن يعمل ويكسب معاشه، فتضاعفت آلامي، وزاد إحساسي بالسخط على المجرمين الذين لم يفكروا لحظة واحدة في ما جنته أيديهم الملوثة بالدماء من آلام وأحزان لأناس لا ذنب لهم.
في خضم هذا الحزن والغضب، والخوف على مستقبل هؤلاء الأطفال الصغار، والشيوخ الكبار، جاءت بوادر الأمل تباعاً، فأصحاب السمو الملكي من ولاة الأمر الذين جاءوا لمواساة عائلات الشهداء والمصابين، ومسحوا بأيديهم على رؤوس الأطفال الذين أصبحوا يتامى، أضاءوا مشاعل الأمل من جديد، ليس بعبارات المواساة والتعزية فقط، بل بقرارات تؤمن لأبناء الضحايا وذويهم ومن يعولونهم، وتكفل لهم كرامتهم، وتقيهم من تقلبات الأيام، وتتابعت القرارات لتطبّب جراح، وتبدد مخاوف أرّقت عوائل هؤلاء الشهداء في التفاتة كريمة تؤكد إحساس ولاة الأمر بآلام أبناء الوطن، فلم تشغلهم معركة مواجهة هؤلاء المجرمين الذين أهدروا الدماء المعصومة، عن أداء الواجب في التعزية والمواساة قولاً وعملاً.
واجب شرعي ووطني
وأحسب أن رجال الأمن في وطننا الغالي «المملكة العربية السعودية» وما يقدّمونه من جهد في سبيل الحفاظ على الأمن في داخل البلاد في متابعة المجرمين من تجار المخدرات والإرهابيين وغيرهم، وعلى الحدود ومواجهتهم للعابثين فهو من السهر والرباط في سبيل الله وهي في حسبانهم - بإذن الله - لإدراكهم فضل الرباط وفضل السهر في سبيل الله وحفظ الدين وأرواح المسلمين إيماناً وتصديقاً منهم لقول رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» [رواه الترمذي].
إن رجال الأمن الأوفياء الساهرين على حفظ أمن البلاد والعباد يقومون بواجب شرعي ووطني والحفاظ على الوطن وعلى العباد، وواجب شرعي لأن الوطن هو المناط به حفظ مقاصد الشرع فبالوطن يقام الدين وتحفظ الأنفس وتصان الأعراض، ويحفظ النسل، وتحفظ الأموال، وتحفظ العقول، ومبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها تدعو دائماً للحفاظ على النفس والعرض والمال وتعدها الكليات الخمس التي تدعو لحمايتها وصيانتها، وهؤلاء الرجال الأفذاذ إذا صدقوا الله - تبارك وتعالى - وأخلصوا النية نالهم الأجر العظيم والفضل الكبير من الله - عز وجل - كما جاء في بشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من بات حارساً من وراء المسلمين كُتِبَ له أجر من خلفه ممن صام أو صلى). أي: كتب الله له أجرهم لأنهم يحرسونهم في بيوتهم وفي أعمالهم وفي أموالهم وفي مساجدهم.
الوفاء سمة بارزة.
وفي بلد العطاء والوفاء يتم الاعتراف بفضل الشهداء، وكم رأينا وسمعنا في الأخبار ما يقوم به ولاة الأمر - حفظهم الله - من تخفيف المصاب على ذوي الشهداء بالمواساة المباشرة والزيارات لمنازل أسر الشهداء أو بالاتصال الهاتفي، وفي مقدمة هؤلاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وسمو ولي ولي العهد وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهم الله جميعاً.
ومما يؤسف نحن في زمن اللا وفاء وزمن الجحود والنكران ممّن يسيء بفعله وتصرّفاته إلى منهج الدولة في الوفاء واعتراف الفضل لأصحابه، والمعروف لأهله، والوفاء لهم وتقديرهم بالثناء أو الدعاء أو الذكر الطّيّب، أو ردّ المعروف؛ لأنه سمة من سمات أهل الخير، بل ومما تدعو الشريعة إليه ويؤهله القرآن الكريم والسنة النبوية قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) [الرحمن:60]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله).
وفي سلوك بني البشر متناقضات كثيرة، واختلاف كبير، فخلافاً لما أشرنا يأتي في المقابل نكران الجميل وعدم الوفاء، إن لم يتعدّ ذلك إلى مقابلة الإحسان بالإساءة، وإذا كان شكر الله - عز وجل - على نعمه وأجب عن الخلق جميعاً فإن شكر الناس على معروفهم وإحسانهم فضيلة دعا إليها الإسلام ورغب فيها. بل إن الإسلام حث على رد الكلمة الطّيّبة بكلمة طيّبة أو بأحسن منها، كما قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء:86]. ولا أقل من رد الجميل بكلمة طيّبة إن لم يستطع الإنسان المكافأة على المعروف كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صنع إليه معروفٌ فقال لفاعله جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء».
وعلى الرغم من وجود فئة لا تمثل إلا نفسها فنحن - ولله الحمد - في مجتمعٍ للوفاء فيه نصيب جم نراه في الصغير والكبير من ولاة الأمر - حفظهم الله - وعلى نهجهم سار الرّعيّة، ولا أدل على ذلك من الأسماء الخالدة التي تزيّن شوارعنا في كل مدينة، وهذا باب من أبواب الوفاء حينما يقدّر العاملون، وتخلّد ذكراهم بهذا العمل، وهو خير تقدير لصناع المعروف، ومقابلة الجميل بالعرفان.
سرعة المبادرة
إن مواساة ولاة الأمر لأسر الشهداء نوع من أنواع الوفاء، وهي تأتي لتضيء مشاعل الأمل وتخفف لواهب الحزن حينما تقبل رؤوس آباء الشهداء، ويمسح على رؤوس أبنائهم الذين أصبحوا يتامى، ولا يقف الأجر على المواساة والتعزية فقط بل يتبع ذلك وبشكل فوري تفقّد احتياجاتهم وتلمّسها، ومن ذلك: تأمين المسكن وسداد الديون وتأمين العلاج وتحمّل تكاليف الدراسة ولم شمل العائلة إن كان عائلهم البديل في عمل خارج المنطقة. وكل هذه الأعمال الفورية والعاجلة تؤكّد إحساس ولاة الأمر بآلام أبناء الوطن، وفي خضم الأزمات وعلى الرغم من كثرة المشاغل لا يتأخرون في تخفيف الجراح ومواساة أهل الشهداء في لفتات إنسانية ومبادرات كريمة، ويؤكدون لأهاليهم بأنهم هم الآباء لأبناء الشهداء في بلادنا ومن تعاطف كبير ومبادرات سريعة هي محل تقدير واهتمام من المتابعين لهذا الشأن في داخل المملكة وخارجها؛ لأنها مواقف إيجابية ومبادرات كريمة تذكر فتشكر، تتميّز بسرعة المبادرة والمواساة النفسية والمعنوية والحسيّة بالزيارات المباشرة والمساعدة على تلبية الحاجات، فتأتي أولاً المساعدة العاجلة بمبلغ مالي كبير وتسديد الديون المستحقة وتخصيص راتب مستقبل لوالد ووالدة وزوجة الشهيد وأبنائه. وفي وزارة الداخلية فقد تم تخصيص إدارات خاصة للعناية بأسر الشهداء من رجال الأمن لمتابعة أوضاعهم وتلمّس احتياجاتهم ومتطلباتهم ودراسة أحوالهم والرفع عنها في حينه، ومثل ذلك ما هو قائم في وزارة الدفاع حيث يوجد إدارة خاصة بالشهداء والمحاربين القدامى ورعاية أسرهم، وجميع هذه الإدارات تعنى بأمور الشهداء وأسرهم، وهي تأكيد لما توليه القيادة الرشيدة الراشدة لتضحيات شهداء الوطن شهداء الواجب، وعرفاناً ووفاءً لما قاموا به من أعمال بطولية تجعلهم على الدوام محل التقدير والثناء من قبل ولاة الأمر - حفظهم الله. وقد أكد ذلك قرار مجلس الوزراء على تنظيم صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين، ويهدف الصندوق إلى مساعدة المحتاجين من أسر الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين ومن يعولونهم شرعاً والقيام بأعمال خيرية يعود أجرها وثوابها لهم. ويرأس مجلس أمناء الصندوق صاحب السمو الملكي وزير الداخلية وهذا الصندوق ذو استقلال مالي وإداري وسيكون له فروع ومكاتب متعددة وسيضم في عضويته عدداً من الجهات ذات العلاقة كوزارات المالية والشؤون الإسلامية والشؤون الاجتماعية، وأعضاء بصفتهم الشخصية ممّن لهمهتمام في المجال الخيري.
مواقف عظيمة
وهذه المبادرات الكريمة والرعاية الأبوية الحانية لأسر الشهداء تؤكّد الاهتمام البالغ بهذه الفئة العزيزة على كل مواطن سعودي سواء من القيادة الرشيدة أو عموم الناس، ولم يقتصر الأمر على إنشاء مكتب أو إدارة تعنى برعاية أسر شهداء الواجب بل كان الأمر أكبر من ذلك، ومن هذا ما نراه من أعمال إنسانية ومواقف عظيمة تستحق الذكر، وهي الأنموذج من شخص صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية فمواقف سموه هي أنموذج لمواقف القيادة السعودية المهتمّة بشؤون رعيّتها وتقدير وتكريم من يستحق التكريم وهو من باب مبادلة الوفاء بالوفاء، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فهو المبادر بالتعزية والمواساة وتخفيف الآلام من شرقي البلاد إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها في المدن والقرى والهجر، يخفّف بكلماته الحانية ألم المصاب على أهل الشهيد ويعقب ذلك مباشرة وعلى الفور بتفقّد احتياجات الأبناء والآباء والإخوان والأخوات فيقضي الدين ويؤمن المسكن ويحرص توفر فرص المعيشة الحميدة الكريمة لذويه ولا يتوانى في تسديد الديون وقضاء الحاجات ومتابعة كل ذلك بنفسه وحرص إنهاء الإجراءات المتعلقة بذلك، ومتابعتها لدى جهات العلاقة.
وفي خضم الأحزان تأتي اليد الحانية من لدن سموه لتواسي عائلات الشهداء والمصابين حاملة الأمل والوفاء والعطاء يمسح بيديه على رؤوس الأطفال اليتامى، وليس هذا فحسب بل يتبعها، وفي المجلس ذاته بشائر الخير بقرارات تؤمن لأبناء الضحايا وذويهم ومن يعولونهم الحياة الكريمة بما يكفل لهم كرامتهم ويقيهم من تقلبات الزمان ودوائر الأيام ليطبب الجراح ويبدّد المخاوف ويبعث الأمل. وهذه اللفتات الإنسانية الطيّبة المباركة أمر أصبح سمة من سمات هذا البلد المبارك والمعطاء وقيادته الرشيدة، وتؤكد تماسك أبنائه وقيادته والترابط بينهم وتلاحم القادة والمواطنين ومؤازرة أسر الشهداء وتخفيف أحزانهم ودعمهم المادي والمعنوي يأتي مصداقاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً».
رعاية شرعية
ولا شك أن هذه الأعمال الجليلة، والمبادرات الخيّرة المباركة تنطلق وفق أسس شرعيّة المملكة العربية السعودية (بلاد الحرمين الشريفين) قبلة المسلمين، ومبعث الرسالة المحمدية، ودستورها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة. وإن ضوابط ومظاهر تكريم الشهداء وأسرهم جاءت وفق ما في الكتاب الكريم والسنة.. ويعرض د. يوسف كامل خطاب في كتابه «الشهادة والشهداء في الإسلام» ضوابط ومظاهر التكريم وفق التالي:
((فمن أبرز القواعد والضوابط التي وضعها القرآن الكريم في هذا الشأن:
1. نهى الأمةَ عن إشعار أسر الشهداء بفقدان شهدائهم ولو بمجرد القول.
2. تعزية الله تبارك وتعالى لأسر الشهداء، وتبشيرهم بما يلقاه شهداؤهم عنده من رزق وفضل وفرح ونعيم.
3. تثبيت يقين ذوي الشهداء بالتأكيد على أن قتل ذويهم في سبيل الله لم ينقص من أعمارهم شيئًا، ولم يُعَجِّل بموتهم - كما يزعم المنافقون والمرجفون والمضلّون؛ ليثيروا مشاعرَهم، ويُبَلْبِلُوا أفكارهم، ويُزَعْزِعُوا قناعتَهم بالقيم بالمبادئ التي بذل الشهداء أرواحهم فداءً لها.
4. حثُّ المسلمين على رعاية أسر الشهداء وكفالتهم.
أما مظاهر تكريم الشهداء وأسرهم في السنة النبويّة فلها بُعْدَانِ: البعدُ الدينيّ، والبعدُ الإنسانيّ أو الاجتماعيّ.
وأبرز هذه المظاهر:
1. إخباره بما أعدّه الله لهم من أجر وفضل.
2. الفخرُ بهم وإظهار عظم ما قدّموه من أرواحهم ودمائهم، دفاعًا عن دينهم وعقيدتهم، وإعلاءً لكلمة الله.
3. قيامه صلى الله عليه وسلم بتفقّد الشهداء بعد انتهاء المعارك، وإشرافه على تكفينهم ودفنهم بنفسه.
4. سداده لديون الشهداء، حتى لا تحول دون دخولهم الجنة، وحتى لا تكون عبئًا على ورثتهم.
5. حرصه - صلى الله عليه وسلم - على أن يجعل للشهداء حضورًا دائماً في وجدان الأمة، حتى لا يغيبوا عن ذاكرتها، وحتى يعلموا قدرهم عند الله، فتسير على دربهم جهادًا في سبيل الله.
مظاهر تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم لأسر الشهداء:
1. بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لذوي الشهداء بما يلقاه شهداؤهم من تكريم عند الله.
2. تعزيته صلى الله عليه وسلم لأسر الشهداء فور انتهاء المعارك للتخفيف عنهم.
3. حثّ الأمة على العناية بأسر الشهداء ورعايتها وصيانة أعراض نسائهم وعدم التساهل في أداء ما يحتجن إليه.
4. زيارته صلى الله عليه وسلم لأسر الشهداء وتفقّد أحوالهم، وإظهار المودة والرحمة لأبنائهم، خصوصاً إذا كانوا صغارًا.
ويذكر أن تكريم الأمة للشهداء وأسرهم بعد عصر النبوة يكمن في:
(أ) المواظبة على زيارة الشهداء في قبورهم، والدعاء لهم، وتذكّر فضلهم، وتقدير تضحيتهم.
(ب) المواظبة على تكريم أسر الشهداء، وتذكير الأمّة بما قدّم شهداء هذه الأسر من تضحية للأمة بأسرها.
واستمرار تكريم الشهداء وأسرهم من السنن التي حافظت عليها الأمة عبر تاريخها الطويل وصولاً إلى العصر الحديث.
ومن هنا نجد أنّ تكريم الشهداء وأسرهم في المملكة العربية السعودية له أصوله الشرعيّة ومظاهره.
زيارات مباشرة
نعم، كانت الرعاية شاملة - ولله الحمد - نفسياً ومعنوياً بزيارة بيت الشهيد أو والديه، ومادياً بالدعم والمساندة والمواساة وتفقّد الاحتياجات من مسكن وغذاء وصحة وتعليم. وأسوة بما يقوم به «رجل الأمن الأول» صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية من مبادرات إيجابية تجاه أسر الشهداء وذويهم، قام أصحاب السمو الملكي من أمراء المناطق بجهود إيجابية طيّبة تسير في ركب الوفاء، فمع الزيارات المباشرة لهم تم إنشاء لجان وصناديق في بعض المناطق تحت رعاية وإشراف أمراء المناطق، فعلى سبيل المثال هناك اللجان النسائية لرعاية أسر الشهداء بمنطقة القصيم، وفي عسير هناك صندوق خيري لدعم رجال الأمن المتضررين من أحداث الإرهاب.
إننا لن ننسى رجل الأمن الشهم نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - فقد كان سموّه يقدّم عيديّة خاصّة من قبل سموّه عند حلول عيد الفطر المبارك عبارة عن مبلغ عشرين ألف ريال لكل فرد من أسرة الشهيد مع الأب والأم، وقبلها برقيات معايدة في كل عام لهؤلاء، وكل هذه المبادرات بلا شك شخصية ونابعة من اهتمام شخص من قبل ولاة الأمر - حفظهم الله - وهي إضافية لما يستحقه الشهيد وأسرته نظاماً والتي كفلتها الأنظمة. ومن المستحقات النظامية التي أقرّها مجلس الوزراء في عام 1424 هـ:
-ترقية الذين استشهدوا أثناء الواجبات إلى الرتب التي تلي رتبهم مباشرة ومنحهم راتباً يعادل أقصى درجة راتب المرتبة المرقّى إليها مع العلاوات التي كانوا يحصلون عليها.
-منحهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة.
-تعيين أحد أبناء الشهيد بوظيفة والده وفقاً للمتطلبات النظامية.
-مساعدة عاجلة بمبلغ 100.000 ريال لأسرته.
- مساعدة أسرته في تأمين مسكن بمبلغ 500.000 ريال.
-منح كل من والد ووالدة الشهيد مرتباً شهرياً 3000 ريال.
-حصر الديون المستحقة للغير على كل شهيد على ألا تتجاوز 500.000 ريال.
وقبل هذا تكفل الدولة بنقل أسر الشهداء إلى أي مكان في المملكة للصلاة على شهدائهم ودفنهم حيث أرادوا.
نظام شهيد
وفي سياق الاهتمام المتواصل أقر «نظام شهيد» العديد من المزايا التي تمنح لشهداء الواجب ومن في حكمهم، حيث اقترح منحه وسامًا حسب ما تحدده اللائحة، ويصرف لأسرة الشهيد مليون ريال بعد انتهاء الإجراءات اللازمة لتحسين الوضع المعيشي وتسديد التزاماتهم، ويرقى للرتبة / المرتبة التي تلي رتبته/ مرتبته مباشرة ويمنح راتبًا يعادل أقصى راتب الدرجة المرقى إليها إضافة إلى البدلات والعلاوات التي كان يتقاضاها كما لو كان الشهيد على رأس العمل، ويتم تعيين فوري لأحد أبناء الشهيد بوظيفة والده وفق المتطلبات النظامية، وإسقاط جميع ما عليه من ديون وعهد حكومية، وإسقاط ديونه في البنوك المحلية وذلك ضمن برامجها في المسؤولية الاجتماعية وتقديرها لشهداء الوطن، وصرف راتب شهري لوالديه بمبلغ خمسة آلاف ريال شهريًا.
ويستثنى أفراد أسرة الشهيد في التوظيف من أسلوب شغل الوظيفة (المدنية أو العسكرية) من شروط شغلها، وتوظف زوجات الشهيد وأبناؤه وبناته بصرف النظر عن عددهم أو وقت تقدمهم للوظيفة، وإذا كان الشهيد غير متزوج أو كان أولاده قصرًا أو لم يكن له أولاد فيوظف ما لا يزيد على اثنين من إخوته وأخواته وذلك دون إخلال بحق القصر في التوظيف عند بلوغهم السن النظامية. ويقبل جميع من تقدم من أفراد أسرة الشهيد إلى الجامعات والكليات العسكرية والكليات المهنية ومعاهد التدريب، وتكون لهم الأولوية في الابتعاث الداخلي والخارجي، وذلك بالحد الأدنى من الشروط.
فيما يحق لكل فرد من أسرة الشهيد فرص النقل داخل الأجهزة الحكومية، ترسل إدارة رعاية أسر الشهداء طلبات التوظيف إلى وزارة الخدمة المدنية بعد استيفاء الضوابط والشروط، على أن تتولى وزارة الخدمة المدنية إنهاء إجراءات طلبات التوظيف في الوظائف المدنية التي تردها من تلك الجهة وفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة.
ويسمح لأسر الشهداء بالبقاء في المساكن الحكومية أو لمن استأجرت لهم قطاعاتهم مساكن وذلك حتى يتم تأمين السكن المناسب لهم، تمنح أسرة الشهيد الأولوية في الحصول على برامج الدعم السكاني في المنطقة المناسبة لهم، وإن سبق للشهيد الاقتراض من صندوق التنمية العقارية أو حصل على برامج دعم سكانية فيتم إعفاؤه. والذين يرغبون السكن على حسابهم الخاص أو في أملاكهم يصرف لهم مبلغ مقطوع قدره خمسمئة ألف ريال.
ويستحق من يصاب في الواجب الوطني بأي إصابة سواء كانت صغيرة أو كبيرة أو عجزًا جزئياً أو كليًا وكذلك شهداء الواجب ومن في حكمهم ما يلي: تأمين العلاج الطبي، منح بطاقة تعريفية للمصاب وأسرة الشهيد للتعريف بهم ومنح تسهيلات لهم بالتنسيق مع القطاعات الحكومية والخاصة، تخفيض على وسائل المواصلات، ترقيته للرتبة التي تلي رتبته، صرف مبلغ مالي عاجل وقدره ثلاثمئة ألف ريال، يمنح نوط الشجاعة، يكلف بما يناسبه من عمل وينقل للمكان الذي يرغبه. ويكون في حكم شهداء الواجب المواطنون والمقيمون الذين يقتلون أثناء مواجهات رجال الأمن مع الجماعات الإرهابية، وضحايا الجماعات الإرهابية والمتوفون أثناء أدائهم لمهام رسمية، ويكون في حكم مصابي الواجب المواطنون والمقيمون الذين يصابون أثناء مواجهات رجال الأمن مع الجماعات الإرهابية وضحايا الجماعات الإرهابية والمصابون أثناء أدائهم لمهام رسمية، للوزير أن يحدد أي فئة أخرى تكون من ضمن هذه الفئة. من جانبه كشف مقدم مشروع مقترح نظام «شهيد» الخاص بشهداء الواجب ومن في حكمهم بالمملكة عضو مجلس الشورى الدكتور حمد آل فهاد أن للمقترح دورًا في تعزيز روح الانتماء والولاء لهذا الوطن وتعزيز الترابط بين الحاكم والمجتمع وإغلاق أبواب الفتنة وتشجيع روح التضحية وبذل النفس والاستبسال في سبيل حفظ أمن الوطن وحماية مقدساته وحفظ مكتسباته ورد عدوان المجرمين ومكافحة الإرهاب وحفظ حقوق الشهيد وتأمين الرعاية اللازمة لذويه من بعده وخلافته في أهله بخير (من جهز غازيًا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا وتعجيل إبراء ذمة الشهيد (يغفر له إلا الدين) وتوحيد مزايا وحقوق الشهداء وتسهيل إجراءاتهم وإزالة الفوارق والاختلافات في آلية صرف مستحقاتهم وتسهيل تقديم الخدمات المطلوبة لهم.
فيما ينشأ بموجب هذا النظام نظام يسمى نظام شهيد بالمملكة العربية السعودية ويرتبط بمجلس الوزراء، فيما تنشأ إدارة تسمى إدارة رعاية أسر الشهداء ويكون مقرها وزارة الداخلية تعنى بتقديم الخدمات اللازمة وتيسر إجراءات أسر الشهداء ويكون لها مكاتب فرعية في جميع إمارات مناطق المملكة. وعلى الوزارة التنسيق مع القطاعات ذات العلاقة لوضع اللائحة التنفيذية الموضحة لمواد هذا النظام خلال تسعين يوماً من تاريخ نشر هذا النظام، يعمل بهذا النظام بعد تسعين يوماً من تاريخ صدوره، وينشر هذا النظام في الصحيفة الرسمية.
معونات خيرية
ومن الواجب المستحق نظاماً إلى الفضل والمعروف والإحسان فقد تم إنشاء صندوق خيري وإخراج صدقات عن شهداء الواجب والاستعانة بأهالي الشهداء لتوزيعها واستضافة من يرغب من أسر الشهداء وذويهم في الحج، ومنح أبناء الشهداء عضوية نادي ضباط قوى الأمن، وتعيين وترسيم ونقل عدد من ذوي الشهداء في وظائف بالقطاعات الحكومية، وتعيين ونقل عدد من أبناء الشهيد وإخوانه في القطاعات العكسرية، فتح ملفات طبية لهم في مستشفيات قوى الأمن والمستشفى العسكري، ومدينة الأمير سلطان الطبية، وعلاج ذوي الشهداء في الخارج لمن يلزم وتستدعي حالته الصحية ذلك. وهذه نماذج ليست للحصر بكل تأكيد وإنما كما أشرت أمثلة يسيرة وغيض من فيض من العطاء والبذل والإحسان لا تقف عند حد المواساة في أول الأمر بل مستمرة - ولله الحمد - ونهر العطاء لا يقف عند حدود الزمان ولا المكان، وهذه المكارم من فضائل الشهداء وكراماتهم على أهلهم في هذه الدنيا، وما عند الله خير وأبقى - سبحانه وتعالى.
لقد رأينا وسمعنا في العديد من البلدان تماثيل رمزية لما يسمى بـ «نصب الشهيد» ونصب الجندي المجهول، ولكننا - ولله الحمد - جعلنا ما هو أسمى وأكبر وأبقى تخليداً لأسماء الشهداء في العديد من الشوارع الرئيسة والفرعية من مدن المملكة العربية السعودية، وفي مسقط رأس هؤلاء الأبطال. وهذا يضاف إلى ما سبق ذكره من تقدير لهم - رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته. وحينما يكون لتخليد اسم البطل والأبطال باسمه صراحة فليس هذا تقديراً فحسب بل سيكون - بإذن الله - سبباً في أن تلهج الألسن بالدعاء لهم كلّما قرأت أسماؤهم في الشوارع معقوبة بكلمة - رحمه الله - ومسبوقة بكلمة (الشهيد).
وإذا كانت هناك مبادرات من عدد من رجال الأعمال في تكريم أسر الشهداء مادياً ومعنوياً فإننا نأمل أن يحذوا البقية حذو الرواد في تكريم أسر الشهداء بأن يفتح المجال لهم في الوظائف، وأن يعطوا الأولوية في التعيين، وتقدم لهم التسهيلات بالخصومات الخاصة والدعم المادي والمعنوي. وإني على ثقة بوجود هذا الحس الوطني والاجتماعي. ولكن هذه الجهود تحتاج إلى مظلة حكومية أو أهلية تتبنّى مشاريع وقفية دائمة وليست مبالغ مقطوعة تنتهي وتصرف سريعاً، ولا يرى لها أثراً. وقيام مثل هذه المشروعات سيجعل آثار العمل متصل غير منقطع وربما تم الاستفادة منه ليس في العوائد الاستثمارية فحسب بل حتى في المساهمة اجتماعياً ووظيفياً بأن يدار من قبل أبناء الشهداء وذويهم.
حفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه وأدام على بلادنا نعمة الأمن والأمان والسلامة والإيمان، وحفظ الله لنا قائدنا وراعي نهضتنا سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده وولي ولي عهد أجمعين.