د. حسن بن فهد الهويمل
الضباط الأحرار في مصر إفراز ما دار من مبالغات حول خيانات حرب 1948م في فلسطين.
والحكم [النصيري] الطائفي في سوريا إفراز نكسة 1967م. وانقلاب [قاسم] في العراق إفراز [حلف بغداد]. والانقلاب [السَّلاَّلِي] في اليمن إفراز طبعي للخطابات التحريضية التأجيجية [الناصرية] التي أحكم صياغتها [هيكل] ومن هم على شاكلته.
وسائر الخيانات، والانقلابات العسكرية المتكررة في [اليمن]، و[العراق]، و[الجزائر]، و[ليبيا]، و[السودان] تحمل الدمغة الإعلامية الثورية، التي تفنن في صنع رُغَاءهَا، وتضليلها فريق يقوده المهرج الكبير [هيكل].
وكل الوعود المدافة بمعسول الكلام الرخيص، والتي خَدَّرت الشعوب العربية، وأحَلَّتْها دار البوار موثقة فيما بين أيدينا من كتب، لايستطيع المقترفون التخلص من عقابيلها.
و[الربيع العربي] الذي بعث بصيص الأمل، اختطف بريقه الحقد المجوسي بمباركة، وتبرير من فريق المتخللين بألسنتهم البقرية، وعلى رأسهم [هيكل].
وكل فريق من الانقلابيين، يقدم نفسه على محفة من البلاغة الزائفة، التي أبدع غزلها المهرجون الفارغون من كل القيم.
ثم لايلبث أن يتحول جهد الانقلابي، وماله، ووقته، لتصفية سلفه، وسك المصطلحات العنترية: [وحدة]، [اشتراكية]، [قومية]، [بعثية]، [إخوانية].
وحين يشرف الانقلابيون على النهاية من تصفية الأجساد، وتشويه السمعة، لسلفهم، يكون الانقلابيون الجدد، قد فرغوا من تبييت النية، والغدر بزملائهم.
وهكذا سارت أمور [الأمة العربية]، كلما دخلت مَفْرَزَةٌ عَسْكريةٌ قصر الحكم، لعنت سلفها، وتفننت في تصفيه سمعتهم، وتشتيت شملهم بين المقاصل، والسجون، والمنافي.
وقد تسبق البعضَ منهم أموالُ الشعوب التي نهبوها إلى البنوك العالمية، ليدبروا بها مكيدة، تهلك الحرث، والنسل. وتلك خليقة لاينكرها إلا مغالط.
السؤال المحرج، والمخجل: ما الذي أنجزه الانقلابيون العسكريون خلال العقود الستة الماضية، بدءاً بانقلاب [حسني الزعيم] وانتهاءً بانقلاب [عبدالملك الحوثي] والمخلوع [علي عبدالله صالح] على الحكومة الشرعية، التي انتشلت اليمن من ردغة الفتن؟.
أقول هذا لا لجلد الذات، ولا للشماتة، وإنما لإزالة الغشاوة، وعصف الذهن، عسى أن يكون فيمن بقي من يعيد لأمته شيئاً مما فقدته.
شاهد العصر [هيكل] و[هويدي] و[عطوان] ودعك من الحثالات، والفقاعات، والغثائيين، والمغثين من أشباه الكتبة الذين ذهب رغاؤهم جُفاء. ولمَّا يكن نَفْعٌ لِيمكُث هؤلاء الثلاثة أحياء يرزقون، ولديهم من الخبرات، والملفات، ومراكز المعلومات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب متابع للحراك السياسي المشؤوم.
بعد هذه المشاوير الفاشلة.
ماذا يقولون؟. وبماذا يفكرون؟. وأيَّ وضع يمجدون؟. وعلى أيَّ زعيم يراهنون؟.
لقد ذهبت الرهانات، وخابت الآمال، وانكشفت المغالطات، وهم صامدون، يهرفون بما يعرفون، وبمالا يعرفون.
وخلال العقود الستة، تحدثوا، فأمَلُّوا، وألَّفوا فأغْثَوا، ومازالوا في المشهد يفترون الكذب، ويزيفون الوعي، ويخادعون الوطن، والأمة، ولا يستحضرون قول الباري:- {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ].
وبمثل ما أصبح مشرقنا العربي حقلاً لتجارب الأسلحة الحديثة، فقد أمست مشاهده حقولاً للتجارب الحزبية، والطائفية. بمساندة ممن أوتوا بسطة في الألسنة الحداد.
أمتنا الذاهلة عن مثمناتها، لمَّا تحن منها وقفة تأمل، ولا لحظة محاسبة. ولو أنها فعلت ما تؤمر به، لتعرت أمامها السوءات، وبُلِيَت عندها السرائر، وأفاق معها الساهون.
وعلى الرغم من أن الرغاء الإعلامي يفوق بزخمه كل التوقعات، فإن [الأمة العربية] أضعف مما كانت عليه من قبل الانقلابات العسكرية، ولك أن تقرأ بتجرد، وحيادية إيجابية عهد الملك [فاروق]، وماكانت تنعم به مصر.
الأمة العربية الأضعف أمية هجائية، وعلمية، وثقافية. وهي في أدنى مستوياتها في مجالات التنمية، والبِنْيةِ التحتية.
وكل ما أنجزته لا يتجاوز الاستهلاك الفوري، المنتهي في لحظته. وهي على المستوى السياسي تعيش فراغات دستورية، يسودها القتل، والتشريد، على الرغم من أن أمام كتاب الرأي المغمضين في الأوضاع أنظمةً سياسيةً عالميةً، يرونها رأي العين. تتمثل [الديمقراطية] القائمة على الانتخاب، وتداول السلطة، وانتقالها بانسيابية، لاتعكر صفواً، ولا تخيف آمناً، ولا تُضْعِف كياناً.
ومع ذلك فالكُتَّاب المرتزقة يزيفون الوعي. ويُزَكُّون الأنظمة الظالمة المتسلطة، ويراهنون على رموز مُصَنَّمين. ويُخَوِّنُون قادة مدنيين يلتزمون الصمت، ويعتزلون الفتن، ويسرون المحبة لكل مسلم مُوَحِّد.
لقد بلغ الإعلام المأجور الدرك الأسفل من الافتراء، بحيث تحول إلى بوق يقول ما قاله الأعداء المتربصون بأمتنا الدوائر.
الإعلاميون الخائنون لأماناتهم، المتاجرون بقدراتهم، المتنكرون لأوطانهم، لم يستطيعوا جعل دولهم التي يراهنون عليها جزءاً من أي مجتمع دولي سوي، لا على المستوى المعرفي، ولا على المستوى التنموي، ولا على المستوى السياسي، ولا على مستوى الاستقرار، والأمن والعيش الكريم.
هذا الإعلام الذي يقوده [هيكل] وأضرابه، هو الذي أفرز مصطلح [العمالة]، و[الرجعية]، و[التخلف]، و[المشيخة]، وألصقها بدول متصالحة مع شعوبها، مجتهدة في استكمال متطلبات المجتمع المدني. دول أخذت بأسباب الحضارة، والمدنية، وسائر متطلبات الحياة السوية، وكان لـ[المملكة العربية السعودية] وقادتها النصيب الأوفى من هذه الألقاب.
لقد مرت ستون عاماً، و[هيكل] ومن معه يحتلون الصدارة في الواجهة الإعلامية، يمارسون الافتراء، والكذب على أمتهم.
فماذا حققت رهاناتهم؟. لقد باعوا عقيدتهم، وقوميتهم، ومستقبل أمتهم، بأضواء زائفة، ودراهم معدودة.
الهاجس [الصفوي] يمارس الفعل على مسمع، ومرأى من كافة النخب العربية. ومامن أحد من أولئك ينبس ببنت شفة. وها هو [العراق] رمز القومية، والحضارة يتحول إلى ولاية إيرانية.
والمؤذي أن هذا الصنف من الإعلاميين لما يزالوا يمارسون التضليل، والتغطية على الانحراف السياسي، وتزكية اللعب السياسية القذرة، ومباركة البعث [الصفوي].
لقد قال [نوري المالكي] الصورة المشوهة [لابن العلقمي] كلمة بحق المملكة، لو لامست آذاناً تحمل نخوة العربي المسلم الأصيل، لأقامت الدنيا، ولم تقعدها. إنها كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، سمعها، ووعاها [هيكل] وزمرته، ولم يَجْرؤ أحدٌ منهم بكلمة استنكار، ولو على سبيل تسجيل الموقف.
وأي نخوة عربية تقبل الوصاية على دولة مسلمة، مسالمة، تأسو، وتواسي، وتتألم لأوجاع الأمة، وتخدم المقدسات.
والأشد إيلاماً أن المشهد السياسي مليء بالسُّذَّج، والمغفلين الذين يُصَدِّقون القول المريب، ويَشُكُّون فيما يرون من ممارسات برهانية، قطيعة الدلالة، والثبوت.
هذا الطابور المتخامِس من البله، والمغفلين يشاهدون ما يعانيه [العراق] من قتل وحشي، للعربي: سنياً كان، أو شيعياً. وتدمير همجي. وتعميق للفرقة الطائفية، والعرقية، وتهيئة للتقسيم، وكلها جرائم تقودها [إيران] ويباركها [هيكل] والمرتزقة من حملة الأقلام المأجورة، ثم لايلقون لها بالاً.
ويكفي إهانة للعراق، وانتهاكاً لسيادته عودة [المالكي] بعد هروبه. وهو الخائن لأمانته، المتنكر لقوميته. لقد أرغمت الدولة بقبول عودته، وعدم المساس به، وهو المتهم بالفساد والإفساد.
والمغفلون يُصِيخون إلى ما يقوله الكُتَّاب المأجورون، ممن باعوا أقلامهم، وقدراتهم بثمن بخس.
ويشاهدون فظاعة القتل، وفداحة التدمير في الأرض المباركة [سوريا] وما يمارسه [حزب الله] من مساندة للسلطة، التي فقدت شرعيتها، وأهليتها، ويتحلقون حول القنوات، ليشاهدوا إعلامياً مأجوراً، يتعمد التستر على المجرمين. أو يتتبعون المواقع ليتلقفوا زائف القول، وساقط الحديث، ثم يُؤمِّنوُن عليه، وكأنه القول الذي لا معقب له.
أحسب أن الإنسان العربي يعيد للمشهد قصة [بني إسرائيل]، وبقرتهم. إذ كلما قيل له التمس طريق النجاة، ولا تُصِخْ للمضلين، ثارت التساؤلات عن [الطريق]، وعن [المُضِل]، بمثل ماراجع بنو إسرائيل [موسى] عليه السلام، عن محددات البقرة، على أنهم في النهاية ذبحوها وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ .
أما الإنسان العربي فقد ظل مأخوذاً بالبلاهة، والانبهار، الَّذَيْن عَطَّلا عنده قدرة الفرز، والتمييز.
ويظل الإعلام بادعائه العريض، يقوده الكَذَبَةُ، المزيفون للوعي. وتظل أوضاع أمتنا في سفال، حتى يأذن الله بزوال الغشاوة عن العيون، والوقر عن الآذان، والطمس عن البصائر، فيضعون الأمور حيث يجب أن تكون، لايحرفها لسنٌ بزائف القول، ولا تشط بها لعب قَذرة، يُحكم صنعها الأعداء، وينخدع بها البسطاء.
والانقلابيون العسكريون، لم يعودوا يجهلون مصائر أمتهم، كما لم يعد الإعلاميون من الشهود الذين لم يروا شيئاً.
كِلا الفريقين شهود رأوا كل شيء، ولكن ضمائرهم لم تَصْحُ بعد. وأحسب أنهم سيظلون في غَيَّهم يعمهون. ولسان حال المغلوبين على أمرهم يردد:-
[أتَصْحُوا أَمْ فُؤَادُكَ غَيْرُ صاحِ].