هاني سالم مسهور
يمكن أن نؤسس لليمن تاريخًا جديدًا يبدأ من 14 يوليو 2015م وهو اليوم الذي أعلن فيه عن تحرير العاصمة عدن كمدخل يحمل كثيرًا من المضامين السياسية والاعتبارات التاريخية الكبيرة التي تبدأ من أن تحرير عدن يعد حدثًا عربيًا فريدًا فلم يعرف التاريخ العربي أن مدينة عربية سبقتها بأن تشارك قوات عربية في تحريرها، فلقد شكلت القوات المسلحة السعودية والإماراتية رأس الحربة في العملية، كما أن تحرير عدن جاء ليؤكد أن الشرعية السياسية قادرة على الحضور والتأثير على مجريات الأحداث على الرغم من كل ما حدث لها.
بين تحرير عدن وتحرير القاعدة العسكرية العند ثمة مشهد أكثر إثارة تتمثل في شخص نائب الرئيس خالد بحاح فهو الذي دشن عمليات التحرير (عمليًا) بداية من زيارته إلى القاهرة في 10 يوليو وحديثه الواضح عمّا تمثله القضية الجنوبية في المرحلة السياسية ثم استباقه لتحرير القاعدة العسكرية الإستراتيجية ـ العند ـ بزيارة خاطفة لمدينة عدن رسمت الملامح الفعلية لعملية تعد الأهم عسكريًا وإستراتيجيًا منذ انطلاق «عاصفة الحزم».
بموضوعية وبقراءة دقيقة يمكننا رصد تحركات نائب الرئيس اليمني خالد بحاح والبناء على تحركاته بطبيعة التقدم الميداني، كما يمكننا أيضًا القراءة بموضوعية حول رؤيته السياسية لليمن والممكن الذي يحاول تحقيقه من أجل رسم ملامح اليمن الجديد بعد تجربة خمسة عقود كان اليمن فيها يحمل تبعات مختلفة من الأخطاء المتراكمة بداية من ثورة 26 سبتمبر 1962م التي زاوجت بين القبيلة والدولة فلم تستطع الخروج من ارتهانات المحاصصات والنفوذ والسلطة ودخل اليمن في صراعات ذاتية لا يمكن القبول بها بما في ذلك فترة حكم المخلوع صالح.
يمثل خالد بحاح وحكومته جيلاً جديدًا في اليمن، فلا نجد في التاريخ اليمني نماذج حصلت على هذه المرتبة في الدولة اليمنية جنوبًا وشمالاً تحمل هذا التأهيل الأكاديمي، وتحمل عقلية مختلفة من خلالها تنظر إلى الأزمات اليمنية بمنظار مختلف عمّا اعتاد عليه اليمنيون وهم الذين اعتادوا ممارسة سياسة (الترقيع) لتجاوز الأزمات دون البحث الحقيقي للحلول السياسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمات التي دائمًا ما تنفجر كنتيجة طبيعية لغياب الحلول الكاملة لها، والتاريخ اليمني حافل بالنماذج المتوالية.
الآن اليمن يكاد أن يستعيد نفسه بعد أن قادت السعودية معركة كبيرة لاستعادة اليمن من إيران واستعادة شرعيته السياسية، والآن على اليمنيين أن يكونوا أكثر مسؤولية أمام شعبهم وتاريخهم وأن يتركوا للجيل الصاعد فرصة لتصحيح مسار اليمن بعد أزمات عصفت به كثيرًا، ويمكننا أن نكون أكثر إيجابية مع طرح نائب الرئيس بحاح الذي أكَّد أن مخرجات الحوار الوطني ليست كتابًا منزلاً لا يجوز التعديل فيه، وأن التعديل لا بد أن يكون من خلال القضية الحقيقية التي تتمثل بإيجاد حل سياسي للقضية الجنوبية لما تعد من أنها القضية الأكثر ضغطًا على اليمن الواحد، وأن هذه القضية يجب أن يعاد بحثها من خلال تمثيلها تمثيلاً صحيحًا عبر ممثلين شرعيين للحراك الجنوبي بما يكفل إيجاد حلول كاملة للقضية في الجنوب.
المرحلة السياسية التي تتخلق في عواصم مختلفة إقليميًا باتت على وشك أن تنجح وأن الضغوط الهائلة التي تمارس على الانقلابيين وهم ينهزمون بشكل قوي في كل مواجهاتهم منذ تحرير العاصمة الجنوبية عدن أدت بشكل فعلي إلى صراع بين شركاء الانقلاب الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح مما يؤكد تمامًا أن عملية «السهم الذهبي» باتت على مقربة من تحقيق الانتصار العسكري الكامل لكن هذا يعني أن يكون اليمنيون أكثر جدية ناحية الحل السياسي وأن يتركوا للجيل اليمني السياسي الجديد فرصة لانتشال اليمن من حالته المأساوية، وأن هذا الجيل اليمني السياسي هو قادر على ذلك متماهيًا مع الإقليم الخليجي الذي يبرز فيه جيل يتقارب عمريًا مع حكام اليمن الجدد بما يكفل توافقات على سياسات ومرجعيات تؤسس ليمن قد لا يكون واحدًا غير أنه سيكون قادرًا بشطريه أن يكون فاعلاً في الإقليم ومساهمًا في تعزيز الاقتصاد العربي وحافظًا للأمن القومي العربي.