د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
في الأول من شهر ربيع الأول 1437 سأذهب مع غيرى من أفراد المجتمع المسجلين في الدوائر الانتخابية لانتخاب من يرجى منهم أن يمثّلوا المجتمع المحليّ خير تمثيل. في الدورة الثانية للمجلس البلدي ما شاركت في الانتخاب، لأن الدورة الأولى لم تكن مشجعة في نتائجها، لأسباب تتعلق بتشكيل المجلس وصلاحياته...
... ولم يتغيّر شيء من ذلك قبل انتخابات الدورة الثانية، ممّا أضعف الحماس للمشاركة، لكنها كانت - على الرغم من ذلك - تجربة أنضجت الوعي بضرورة تحديث نظام المجالس البلدية ولائحتها التنفيذية. وهذا قد حصل، ولم يعد هناك مبرّر للتقاعس عن المشاركة في القيام بواجب الانتخاب. النظام الجديد وسّع من صلاحيات المجلس ومنحه الاستقلالية المالية والإدارية والشخصية الاعتبارية مثل أيّ مؤسسة مستقلة من مؤسسات المجتمع المدني، وزاد من عدد أعضاء المجلس ورفع نسبة المنتخبين إلى الثلثين، وكل ذلك ممّا يقوّي صفته التمثيلية للمجتمع المحلي، ودوره كسلطة تنظيمية. ومن غير شكّ لا يكفي هذا الإطار التنظيمي لضمان قيام المجلس بدوره المتوقع منه إذا لم يكن أعضاؤه على مستوى تطلعات ناخبيهم، فالعضوية ليست شرفية أو مصلحية، بل أمانة في عنق العضو الذى تعهّد بأن يمثّل منتخبيه في معالجة شؤون وقضايا ومشكلات مدينتهم. ولا يعيب العملية الانتخابية أن (يفزع) أقارب وزملاء وأصدقاء المرشح (أو المرشحة) لتزيد فرص انتخابه، فإنه حتى لو لم يقم بدوره على الوجه الصحيح، فإنهم يتحمّلون مسؤولية اختياره ممثّلاً لهم. ذلك أن أيّ مجلس منتخب هو بمجموع أعضائه مجلس تمثيلي يطالب ويناقش ويقرّر باسم المجتمع المحلّي كله ما يريده هذا المجتمع من السلطة التنفيذية. وغنيّ عن التأكيد أن التطور في العملية الانتخابية يجب أن يكون مواكباً لما حققه مجتمعنا من تطور في مجال مشاركة المرأة في الحياة العامة - سواء في مجال العمل والخدمات الصحية والتعليم أو في مجال أنشطة المجتمع المدني مثل مجلس الشورى والمؤسسات الصحفية والغرف التجارية والجمعيات الخيرية ونحوها. ولذلك أفسح نظام المجالس البلدية الجديد المجال لمشاركة المرأة في الانتخاب وأيضاً في الترشيح لعضوية المجلس البلدي. وهذا هو العدل بعينه، لأنه يراعي تمثيل العنصر النسائي الذي يشكّل نصف المجتمع، وفيه من نضوج الوعي وقوّة الرأي ما يجعله مُلمّاً بحاجات مجتمعه المحلي ومشكلاته بصورة قد تغيب تفاصيلها عن الرجال، ولذلك يكون المجلس بدونه ناقص التمثيل. وحتى لو لم تَفُز أيّ من المرشحات بالعضوية، فإن مشاركة المرأة في الانتخاب تمكّنها من استخدام حقها في اختيار من يمثّلها سواءً كان رجلاً أو امرأةً، ولماذا لا تختار؟ أليس هذا من معاني (النساء شقائق الرجال)؟ فحسب موقع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - فإن ( حديث النساء شائق الرجال حديث صحيح، والمعنى - والله أعلم - أنهن مثيلات الرجال، إلّا ما استثناه الشارع كالإرث والشهادة وغيرهما ممّا جاءت به الأدلّة). وكانت المرأة في عصر النبوّة تستشار ويفسح لها المجال لإبداء الرأي أو الشكوى في المسجد أو في المجلس - عندما تطلب ذلك، فهذا حق إنساني ثابت. وربما يكون هناك من لا يرضى بهذا الشكل الانتخابي الذى تشارك فيه المرأة أو يحرّمه بناءً على تصوّرات وهمية ومعلومات مغلوطة، ويظنه من باب تقليد الغرب. والواقع أنه حتى في الغرب كان هناك قبل عشرات السنين من يرفض مشاركة النساء في الانتخابات. لكن هكذا هو التطور. فلكل عصر ما يناسبه من الأشكال التنظيمية التى تحفظ حقوق أفراد المجتمع، والأشكال السائدة في ممارسة الحياة العامة قابلة دائماً للتطور في حين تبقى القيم والمبادئ ثابتة.
إن تشكيل المجالس البلدية وفق نظامها الجديد يرفع من مستوى الآمال والتطلعات، فالمجتمع المحلي ينتظر من المجلس أن يهتمّ بجميع قضايا ومشكلات المدينة التى يعيش فيها، وليس فقط ما هو في (حدود اختصاصات البلدية). ذلك أن الخدمات البلدية - وإن كانت في غاية الأهمية - فهي شأن من شؤون المجتمع أو المدينة. وإذا اقتصر الأمر على اختصاصات البلدية، فيجب أن يكون هناك أيضاً مجلس صحي منتخب ومجلس تعليمي منتخب...وهلمّ جرًّا- لكل مدينة وبلده؛وهذا من الناحية العملية غير مُجدٍ وغير ممكن. إن جميع المرافق والخدمات العامة (والخاصة) المتوافرة محلياً لخدمة مجتمع المدينة أو البلدة ينبغي أن تكون موضع المراقبة والاهتمام من قبل المجلس البلدي، وأن تتمّ مساءلة المشرف المحليّ عليها عندما يكون هناك قضية عامة تتطلب ذلك. وما يتوصل إليه المجلس يرفع للجهة التنفيذية المعنيّة مباشرة أو إلى الحاكم الإداري حسب الحال، وليس إلى وزير الشؤون البلدية والقروية بالضرورة. وإلّا فما معنى الشخصية الاعتبارية والاستقلالية؟.