د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
الحديث عن (معجزات) الخلايا الجذعية يدور على ألسنة المرضى -ولا سيما المتعلمين منهم- بلا توقف، ويندر الحديث عنه في الوسط الطبي، على الرغم من إدراك الأطباء لأهمية هذه الخلايا والآمال المعقودة عليها. والمرضى لا يلامون على ذلك فهم عانوا من أمراض مزمنة ومعيقة
ولم يجدوا في مراجعاتهم الطويلة المتكررة ما يريحهم من هذا العناء. وكلنا نعرف مثل هذا الحال الذي يلجئ الكثيرين إلى الطب الشعبي عندما يعانون من مشكلات صحية مزمنة، ويسمعون عن نجاح فلان وفلان في علاج علل مستعصية. وقد يسمعون عن شفاء حالة، ولا يسمعون عن فشل العلاج في مائة حالة -فالشفاء في ظنهم من المهارة التي أودعها الله في يد هذا الطبيب الشعبي، أما الفشل فهو قضاء وقدر. وقد يكون الطبيب الشعبي ذا دين وأمانة وخبرة ويجتهد وفقاً لذلك، وقد يكون عديم الذمة وجاهلاً يتطبب كيفما اتفق، ويكون مشعوذاً أكثر منه ناصحاً، وهمه ما يكسبه من المريض، لا ما يكسبه المريض منه. وكلاهما على أي حال غير مؤهل لممارسة علاج المرضى. وإذا أخطأ الطبيب الشعبي فالسبب هو جهله، ولكن هذا الجهل لا يحسب له عذراً. أين هذا من طبيب مؤهل يزعم شفاء الأمراض بعلاج يعرف أنه لم يعتمد علمياً، وأنه لا يزال في طور التجارب المعملية، وأن مضاعفاته غير معروفة؟ هذا هو الآن شأن بعض الأطباء والمراكز الطبية التي يعملون بها في مسألة الخلايا الجذعية -في بعض الدول والمراكز الطبية الخاصة بالذات، حيث لا تطبق ضوابط الجودة ولا متطلبات سلامة المرضى. احتمال العلاج بالخلايا الجذعية قائم على أساس علمي سليم من الناحية النظرية. فهذه الخلايا تؤخذ من الحبل السري للمولود في حالتها الجنينية، أو من خلايا بقيت جنينية في بعض أعضاء الجسم بعد نموّه، ثم يتم معالجتها وتكثيرها في المعمل بحيث تتحول بطريقة معينة إلى خلايا متخصصة لعضو معيّن يراد انتشاله من حالة الفشل العضوي، بحيث تؤدي بعد الحقن في الجسم والتكاثر وظيفة العضو الفاشل. لكن هذه الحقائق العلمية لا تزال بعيدة عن التطبيق العملي السريري باستثناء حالات استخدامها لمعالجة بعض أنواع سرطانات الدم (خلايا تعوض خلايا)، وفيما عدا ذلك لا تجرى التجارب إلا في حدود ضيقة وتحت شروط دقيقة خاضعة لأصول البحث العلمي وفي مراكز طبية متخصصة. مثل الأبحاث المتعلقة بزراعة خلايا جذعية في النخاع الشوكي (لبناء ألياف عصبية) أو الشبكية أو بعض المفاصل (لبناء الغضروف)، وليس بعيداً ما أعلن قبل أشهر عن نجاح جامعة هارفارد في تحويل خلايا جذعية إلى خلايا تنتج هرمون الإنسولين الحيوي جدا لمرضى السكري، ثم أعلنت الجامعة أن النجاح يتعلق بتجارب على الفئران فقط. ولأن بعض تجار الطب يطبقون المثل السائر: (لا دخان بلا نار) فإنهم يسارعون إلى استغلاالحديث عن الإرهاصات البحثية في تشييد أوهام علاجية تجذب لهم المرضى والأموال. ولأنهم أطباء ويعملون تحت أسماء رنانة لمراكز طبية، وخصوصاً في بلدان مثل كوريا الجنوبية أو الصين أو الهند أو أوكرانيا وربما غيرها، ويجدون أيضاً من يروج لـ(معجزاتهم) -إما بحسن ظنّ أو بعفوية وسماع- ويجدون أيضاً من يصدّق ما يقال عنهم، من المرضى الذين عانوا طويلاً من مشكلات صحية، وهم متعلمون سبق أن اطلعوا على ما نشر عن أبحاث واكتشافات العلاج بالخلايا الجذعية ومستقبلها الواعد، وصاروا أكثر ميلاً إلى محاولة هذا العلاج الجديد. فاللوم والاستنكار لا يوجه لهؤلاء المرضى، ولكن إلى الأطباء والمراكز الطبية الذين يقومون عن عمد بتجربة وتطبيق علاجات يعرفون أنها لم تثبت فعاليتها، ولم يرخص بممارستها. وهم بذلك لا يختلفون عن المتطببين الشعبيين المشعوذين لا في أخلاقياتهم ولا في طمعهم. ولست أدعي شخصياً العلم بحالات كثيرة، ولكني أعرف عن حالتين إحداهما في كوريا الجنوبية لعلاج فشل كلوي، والأخرى في الهند لعلاج أعصاب العمود الفقري للرقبة، وكلتاهما كانت نهايتهما الفشل الذريع. وإذا كان الأخذ على أيدي مثل هؤلاء الأطباء والمراكز الطبية في بلدانهم غير متوقع، فإن الهيئات الطبية في بلادنا -وأعني بها وزارة الصحة والجمعيات المهنية الطبية (حسب الاختصاص) والمجلس الصحي السعودي- مسؤولة عن التصدي لمحاولات التغرير بالمرضى، وجلاء الغموض حول حقيقة ما توصل إليه البحث العلمي بشأن طب الخلايا الجذعية حتى الآن.