عروبة المنيف
أثارت صورة الطفل السوري الغريق على أحد شواطئ البحر المتوسط شجون وأحزان العالم، لقد عبَّرت تلك الصورة عن ملايين الخطب والمقالات والمؤتمرات والمنتديات وكل المحاولات الدولية لتجسيد المأساة السورية من أجل إيقاظ الضمير العالمي.
إن ما آل إليه حال الشعب السوري من قتل وتشريد وفقر وقهر والأشد إيلاماً من هذا كله «سحق الكرامة»، يجعلنا نستدرك بأن الكل معرض لذلك المصير، ولا يوجد شعب معصوم «فلا أحد على رأسه خيمة»، والله فوق الجميع والدروس تؤخذ منها العبر، قال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} (سورة يوسف 111).
لم يكن للشعب السوري دور في سوء المنقلب الذي آل إليه، بقدر ما هي لعبة سياسية دولية قذرة تلوثت بها أيدي زعماء سياسيين أقل ما يقال عنهم بأنهم عديمو الإنسانية والرحمة وعبده للدينار!
يقطع السوريون، حيث لفظتهم أوطانهم، «رحلات المجهول» إلى «بلاد الاتحاد الأوروبي» في مغامرات غير محسوبة العواقب من أجل الهروب من جحيم أبدي إلى مستقبل مجهول، فالآمال معلقة في تحقيق الأمن والأمان والكرامة والعيش الآدمي الذي عجزت أوطانهم عن تحقيقها لهم، فهم يصطلون تحت سعير «سلطة بائسة» لاهم لها سوى البقاء في الحكم حتى لو أبادت الشعب السوري عن بكرة أبيه ولم يبق لها إنساناً حتى تحكمه.
فيضان من الشعب السوري المهاجر من وطن لم يستطع توطينه إلى أقرب ملجأ إليه لعله يعثر فيه على أبسط متطلبات الحياة الكريمة إلى أن فاضت المدن المجاورة بهم فأغلقت أبوابها في وجوههم. وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فقد تخطى أعداد اللاجئين السوريين أربعة ملايين لاجئ خارج سوريا، وسبعة ملايين وستمائة ألف نازح داخل سوريا، وما زال العدد مرشحاً للازدياد.
لقد وصل اليأس بالشعب السوري عندما أغلقت الحدود المجاورة في وجهه لأن يلقي بنفسه في أليم، فلم يجد أمامه سوى البحر ليرمي بنفسه بين أمواجه لعلها ترفق به وتحتضنه وتوصله إلى بر الأمان الذي يبحث عنه، ولكن عرف عن البحر الغدر، لقد غدر بهم ومات الكثير على عتباته، وكانت صورة الطفل البريء الملقى على شواطئه أكبر برهان، وكأن غدر بني جلدته لم تكن كافية حتى تهجم عليه أمواج البحر وتبتلعه ومن ثم تلفظه جثة هامدة.
نحن لا نعتب على قسوة الطبيعة وأهوالها على بني البشر، بل نعتب على قسوة الإنسان على أخيه الإنسان، فعلى الرغم من الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين الذي تدفقوا على الأراضي اللبنانية، نجد أن «البعض» من الشعب اللبناني قد أمعن في إهانتهم وكأنه يتحين تلك الفرصة لينتقم من شعب لعبت حكومته بمصيره وبحياته من منطلق رد الصاع صاعين، وذلك للدور القذر الذي لعبته حكومة الأسد أبان الحرب اللبنانية الأهلية.
لقد نددت منظمة «هيومان رايتس ووتش» على ما قامت به خمس وأربعون بلدية على الأقل في لبنان بفرض حظر تجوال ليلي على السوريين، الأمر الذي رأته المنظمة مخالفاً للقانون وينتهك حقوق الإنسان الدولية!.
في المقابل طالعتنا وسائل الإعلام منذ أيام على خروج آلاف المتظاهرين النمساويين من أجل استقبال آلاف اللاجئين السوريين مرحبين بهم بلافتات كتب عليها «أهلاً وسهلاً باللاجئين» ما جعلنا نخجل من أنفسنا، لقد وفروا لهم المسكن والمأكل والمشرب والملبس، والأهم من هذا كله وفروا لهم «الكرامة» من خلال الاستقبال المشرف الذي لم يجدوه عند ذوي القربى، وهناك مثل عند «أشقائنا» السوريين يقول «قابلني ولا تطعمني».
وأختم بقول المتنبي حين قال:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند