إبراهيم السماعيل
إن ما استفزني وأجبرني على الكتابة اليوم هو تلك الرسالة المنسوبة إلى إحدى السوريات من الداخل السوري، سأقتبس منها: (مأساة الموت في البحار ليست جديدة إنما تتكرر منذ عامين»، إلى أن تقول «ما يحصل اليوم هو إشغال وحرف الرأي العالمي عن أخطر خطوة تحصل في سوريا الآن وهي عمليات تفريغ إجباري لأحياء دمشق من أهلها وإسكان إيرانيين وشيعة من مختلف الجنسيات مكانهم، وحي المزة الكبير يجري تفريغه الآن قسرياً كما حصل مع أحياء أخرى سابقاً، إضافة إلى هجمة شرسة على الغوطتين تمهيداً لاقتحامهما، وتجري اليوم عملية تشييع سريع وممنهج للأغلبية السنية في الداخل السوري، وما إثارة قضية اللاجئين السوريين الآن إلا للتغطية على كل هذا، فأرجو منكم توعية إخواننا والمطالبة بإيقاف أسباب الهجرة أولاً وليس المطالبة باستضافة اللاجئين، فهذا (أي التهجير) سيكون فقط مكملاً لمخطط تفريغ سوريا من أهلها ونهاية مأساوية للثورة السورية وإنذار بخراب باقي الدول). إنتهى الإقتباس.
(أنظر مقالتى بعنوان «عالجوا المَرض قبل العَرض إن كنتم صادقين» بتاريخ 06-09-2015).. لا أعلم مصدر هذه الرسالة لكن محتواها تثبته الأحداث التي نراها أمامنا يومياً، وهذا يكفي لإكتسابها المصداقية المطلوبة أياً كان مصدرها، ولقد كتبت عن هذا المشروع الخطير أكثر من مرة راجع مقالتي بعنوان (حمص والعمى الأخلاقي) «1» المنشور في جريدة الجزيرة بتاريخ 18-05-2014.
فلقد قلت وبالحرف الواحد «أما مسرحية إدخال من زعمت العصابة النصيرية أنهم أهالي حمص القديمة (التي أحالتها أسلحة هذه العصابة وحلفائها إلى ركام تحت سمع وبصر العالم كله وعلى الهواء مباشرة)، العائدين إلى منازلهم المزعومة ثم تتهم هذه العصابة المعارضة الشريفة المحاصرة بإحداث هذا الدمار الهائل، هكذا بكل وقاحة وصفاقة واستهبال لعقول الناس بعد أن حررها أو دمرها (أبطال) جيش العصابة النصيرية لهو قمة الكذب والوقاحة فما يحصل هو فقط تطهير طائفي وتهجير قسري لكل من يطالب بحريته وإحلال الموالين الطائفيين السوريين إضافة إلى الذين قامت هذه العصابة بتجنيسهم وهم بعشرات الآلاف من شيعة العراق وغيره مكان سكان حمص الأصليين وغير حمص من المدن السورية المنكوبة، وهذا هو بالضبط ما فعلته إسرائيل بعرب فلسطين منذ النكبة وما زالت تفعله حتى اليوم، وهو ما يسمى بسياسة الترانسفير».
وللخطورة الشديدة لما هو حاصل في سوريا وحيث أصبح اللعب على المكشوف الآن إن كان من العدو الفارسي أو من حليفه الروسي (فمن أمن العقوبة أساء الأدب)، أجد أنه من الواجب علي إعادة التذكير والتحذير مما يجري حيث إن ما يجري الآن إن كُتِبَ له النجاح سوف يهدد مستقبلنا جميعاً دولاً وشعوباً.
لقد بدأ مشروع تشييع السوريين السنة زمن المقبور حافظ الجحش بعد جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبها هذا الطاغية الطائفي فيما عُرِف حينها بأحداث حماه الشهيرة في العام 1982 حيث بدأ هذا الطاغية بعدها بالسماح للفرس بافتتاح المراكز الشيعية في أنحاء سوريا وفي المناطق الفقيرة منها تحديداً بصفةٍ سرية على أنها مراكز ثقافية إيرانية لكن الهدف الرئيس غير المعلن كان محاولة الفرس تشييع الأغلبية السنية من الشعب السوري، حيث إن هذا المشروع الطائفي الماكر يخدم هدف الطاغية في محاولته البائسة لخلخة التركيبة السكانية طائفياً ويخدم في الوقت نفسه المشروع الفارسي في المنطقة وهذا هو الأهم والأخطر، وبعد أن اتضحت صعوبة الوصول لهذا الهدف الخبيث بدأ الفرس بعد الثورة السورية سياسة تجريف السكان الأصليين بالقوة وإحلال آخرين شيعة من فرس وأفغان وعراقيين وباكستانيين مكانهم، كل هذا يجري منذ سنوات تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي يتصرف وكأن كل هذا الإجرام لا يعنيه!.
إن سياسة النفَس الطويل التي اشتُهِر بها الفرس والتي تهدف إلى تفتيت الوطن العربي (بدافع ثأري انتقامي وأحلام توسعية إمبراطورية) هذا الوطن ذي الأغلبية السنية الكاسحة معتمدين في ذلك على بعض وليس كل شيعة العراق ولبنان والخليج العربي قصيري النظر والذين أصبح ولاؤهم فارسياً أكثر من الفرس أنفسهم وعلى الأقليات الملحقة بالتشيع حديثاً ولأسباب سياسية بحتة كالنصريين في سوريا الذين ألحقتهم فتوى موسى الصدر بالتشيع في بداية سبعينيات القرن المنصرم خلافاً لمراجع الشيعة التي تكفرهم أو المتشيعين حديثاً كالحوثيين في اليمن وهذا ليس تنظيراً من فراغ بل هي حقائق نراها ونلمسها على أرض الواقع في العراق وسوريا واليمن ولبنان وبعض دول الخليج العربي، أقول إن هذا المشروع الفارسي قد أوشك على النجاح ليس بقوة الفرس أو عملائهم من الأقليات إنما بفضل التواطؤ الدولي مع هذا المشروع الفارسي الحاقد، ولولا عاصفة الحزم التي أربكت مشروع الفرس هذا وأحسبها لن تتوقف قبل بلوغ هدفها النهائي وهو هزيمة المشروع الفارسي والذي لن تكون اليمن سوى بدايةً له، هذه العاصفة التي فضحت المشروع الفارسي في المنطقة وثبت أنها ليست مطلب الحكومات والأنظمة فقط بل أصبحت مطلباً شعبياً عبرت عنه جماهير المتظاهرين العرب الشيعة منهم قبل السنة في العراق عندما تظاهروا هاتفين (بغداد حرة حرة إيران براً براً).
ختاماً أتمنى أن يكون هذا الهتاف بداية صحوة عربية شاملة غير طائفية وإحساس شعبي بمخاطر المشروع الفارسي المدمر لنا جميعاً.