د. عبدالحق عزوزي
أثارت صورة جثة الطفل السوري إيلان الكردي (ثلاث سنوات) المرمية على ساحل تركي الكثير من التأثر والغضب، وبدت وزيرة خارجية السويد مارغوت فالستروم دامعة العينين أثناء حوار تلفزي الخميس تأثراً بالصورة،
وقالت إن وفاة الطفل السوري «تفرض علينا الآن أن نتحرك». وتحدث نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانز تيميرمان عن «أزمة إنسانية وسياسية غير مسبوقة» في أوروبا، داعياً إلى «حلول أوروبية لمشكلة لا يمكن للدول منفردة حلها».
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي تعرض لانتقادات لنقص انخراطه في الأزمة، إنه «متأثر جداً». وبحسب صحيفة غاردين، فإنه قد يعلن قريباً أن بريطانيا ستستقبل «عدة آلاف» من اللاجئين السوريين الإضافيين. ثم اجتمع أخيراً مسؤولو الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ لبحث ملف اللاجئين.
يأتي ذلك تزامناً مع اجتماع أربع دول من شرق أوروبا مترددة في فتح حدودها وتعارض نظام الحصص في براغ. ووسط أجواء ملبدة بين الأوروبيين في قارة تشهد تنامياً لليمين المتطرف، أعلنت فرنسا وألمانيا عن مبادرة «لتنظيم استقبال اللاجئين وتوزيع منصف في أوروبا» لهذه الأسر التي تفر أساساً من الحرب في سوريا. وتحدثت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن «حصص إلزامية»، في حين تحدث الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن «آلية دائمة وإجبارية». وأضافت الرئاسة الفرنسية أن هذه المبادرة الفرنسية الألمانية تهدف أيضاً إلى «ضمان عودة اللاجئين غير الشرعيين إلى بلادهم الأم وتقديم الدعم والتعاون الضروريين مع البلدان الأم ودول العبور».من جهته، أعرب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك عن قلقه إزاء «الانقسام بين شرق الاتحاد الأوروبي وغربه». وقال «بعض الدول الأعضاء لا تفكر إلاّ في وقف موجة المهاجرين ما يرمز إليه السياج المثير للجدل في المجر» على حدودها مع صربيا، «في حين تريد دول أخرى المزيد من التضامن».
من جانبه اتهم وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس دول شرق أوروبا، خصوصاً المجر باتباع سياسة «مخزية» تجاه اللاجئين، وقال إن ذلك يتعارض مع مبادئ الاتحاد الأوروبي.
وكانت السلطات المجرية أعلنت أنها أكملت بناء سياج من الأسلاك الشائكة على طول حدودها مع صربيا للحد من دخول اللاجئين (معظمهم سوريون)، وأنها بصدد بناء جدار بارتفاع أربعة أمتار.
من جهته قال المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية ليونارد دويل إن على الدول الأوروبية أن تنقذ اللاجئين من سطوة المهربين وتفتح ممرات آمنة لهم. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن نحو ثلاثمائة ألف شخص عبروا البحر المتوسط هذا العام حتى الآن منطلقين من ليبيا وتركيا ودول أخرى نحو أوروبا. وتتوقع الأمم المتحدة أن يعبر ما يصل إلى ثلاثة آلاف مهاجر الحدود إلى مقدونيا يومياً في الأشهر القليلة القادمة، أغلبهم لاجئون يفرون من الحروب في بلدانهم وخاصة سوريا.
وفي هذا الصدد استهل مقال افتتاحي في صحيفة التايمز بالتأكيد على أن اللاجئين السوريين يمثلون اختباراً مهماً لقدرة الاتحاد الأوروبي على التحرك لمواجهة الأزمات، مطالباً بريطانيا بأن تنتهز الفرصة وتأخذ بزمام المبادرة. وقالت الصحيفة إنه خلال 48 ساعة تجلت أزمة هوية تهدد أسس الاتحاد الأوروبي على قضبان السكك الحديدية قرب العاصمة المجرية بودابست. ورأت الصحيفة أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مخطئ في اعتقاده بأنه إذا «سُمح للجميع بالدخول، فإن أوروبا ستنتهي.» وقالت التايمز إن أوروبا برهنت على عجزها عن مساعدة اللاجئين لأنه لا يوجد إجماع أوروبي بشأن تحديد الطرف المسؤول عن مأساتهم، ولا على كيفية التعامل مع هذه الأزمة. كما لا توجد قيادة أوروبية مستعدة لإيجاد حالة إجماع، ولا تتوافر آلية أوروبية لتطبيق السياسات.
فما معنى كل هذا الكلام الذي تتناقله وسائل الإعلام الدولية؟ ولماذا تكثر المزايدات والمضاربات السياسية على حساب المهاجرين وبالأخص المسلمين منهم؟ ولماذا ينسى البعض أن الفضاء المتوسطي الأوروبي أصبح لا يخص فحسب الضفة الشمالية للمتوسط، بل إن دول الضفة الجنوبية، وبالخصوص دول المغرب العربي وتركيا، أصبحت دولاً مستقبلة للهجرة ودولاً للعبور، ودخلت في سياسة تصريف الحدود التي ينهجها الاتحاد الأوروبي مقابل الاستفادة من اتفاقات تجارية؟
للإجابة على هاته الأسئلة، ولطرح الإشكالية بطريقة علمية بعيدة عن المنظور الأمني الوحيد الذي يتبعه السياسيون الأوروبيون، من اللازم وضع رؤية أكثر توازناً للهجرة على اعتبار أن الأمر ينظر إليه كإغناء متبادل في حين تعتبره دول الضفتين تحديا، وهذا حسب تعبير الخبيرة العالمية كاترين دي فندن يولد نفاقاً دولياً يرمي إلى تخفيض التبادل الاقتصادي وجعله يقتصر على عمليات تحويل أموال المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية (14 مليار أورو) وخلق شراكة تشمل المشاريع الصغيرة، في حين أن هناك ضرورة لإرساء مقاربة ماكرو اقتصادية واجتماعية، وعودة المهاجرين إلى الاندماج في الوقت الذي لا يتعلق الأمر بعمليات الترحيل،كما أن هذا النفاق يخفي اختلاف مصالح الدول داخل الفضاء الأورومتوسطي.
وهناك على العموم ثلاثة حلول يمكن تبنيها، أولاً: ضرورة عدم جعل المهاجرين رهائن لسياسة أمنية وسياسة لمحاربة الإسلاموية تم تبنيها في حوض المتوسط، وعدم الخلط بين الهجرة والإرهاب والمخدرات والجريمة، وذلك بفضل دمقرطة التنقل عبر الحدود لأكبر عدد ممكن؛ وهذا مطلب يلح عليه شباب الضفة الجنوبية الذين يسعون إلى تحقيق حرية التنقل؛ كما تستدعي هذه السياسة إصلاح سياسة التأشيرات لأن التشديد فيها يخلق مظاهر الاحتيال عليها والمتاجرة بالوثائق المزورة. وترصد أموال طائلة لمحاربة الدخول السري لدول البحر الأبيض المتوسط، في حين أن هذا المشكل لا يطال سوى 10 في المائة من الهجرة غير الشرعية التي في أغلبها تنجم عن تمديد دخول شرعي إلى إقامة غير شرعية.
وتتقاسم دول الضفة الجنوبية هذه المقاربة الأمنية التي طورت بدورها سياسات مضادة للهجرة وشددت المراقبة، مما أدى بالمهاجرين إلى سلك معابر شاقة وأكثر خطورة (قناة سيسيليا بدل لبريندسي وجزر الكناري عوض مضيق جبل طارق).
وتشير كل الأبحاث أنه كلما كانت الحدود مفتوحة كلما سهل مرور المهاجرين (كما هو الحال بأوروبا الوسطى والشرقية منذ سنة 1991)، وكلما أصبحت التخوم مغلقة كلما كثر التهريب وأضحى المهاجرون يستقرون بصفة عشوائية حينما تنقصهم الوثائق اللازمة نتيجة عدم القدرة على المغادرة أو العودة فيما بعد. غير أن الهجرة تعتبر عاملاً لتحقيق التطوير الاقتصادي وتحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والثقافي، وكثيرة هي دول الجنوب التي ليس لها حل بديل على المدى القصير سوى الهجرة كأفق بالنسبة لفئاتها المؤهلة وغير المؤهلة في الآن نفسه. كما تعد الهجرة عاملاً لإعادة التوازن الديمغرافي بين الشمال والجنوب (إذ إن 50 في المائة من سكان الضفة الجنوبية تقل أعمارهم عن 25 سنة، في حين أن هناك الكثير من دول الشمال التي تعاني من تداعيات الشيخوخة).
وتشكل الهجرة حلاً لبطالة شباب الجنوب ونقص اليد العاملة في دول الشمال ودول العبور، في سياق تجزئة سوق الشغل؛ وهكذا فإن الحق في التنقل يمثل شرطاً لتحويل المهاجرين إلى فاعلين في الفضاء المتوسطي، إذ يحظى به أولئك الذين اكتسبوا الجنسية بدول الاستقبال، أو الذين لهم رخص إقامة تسمح لهم بالتنقل بسهولة، بمعنى المهاجرين الأكثر تأهيلاً، وكذلك الذين أقاموا لمدة طويلة بدول الاستقبال، وإلا أصبحت الحدود مصدر كسب للمهربين وتؤدي إلى تفاقم التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بين الضفتين؛ لأنها تجعل عسيراً الحوار والتبادلات بين الجانبين.