يوسف المحيميد
قبل سنوات دخلت محلاً مختصاً بالفنون التشكيلية واللوحات والإطارات بالرياض، ولفت انتباهي لوحة معروضة، كانت عبارة عن خريطة قديمة للرياض، تعود إلى العام 1866 وتظهر فيها بيوت الرياض وقصورها وساحاتها وبساتينها داخل سورها العالي، وبواباتها السبع، بوابة الأحساء، بوابة اليمامة، بوابة دخنة، بوابة المرقب، بوابة البادية، بوابة الظهيرة، بوابة السويلم.
هذه اللوحة/ الخريطة التي اقتنيتها آنذاك، وعلقتها على أحد جدران مكتبتي المنزلية الصغيرة، أصبحت جزءاً من يومي، لا أتوقف أبداً عن النظر إليها، ولا يمر يوم دون أن أسير - مأخوذاً - في أزقتها الضيّقة، والتمتع بمبانيها الطينية الجميلة، حتى إنني صرت استحضرها كلما سافرت إلى مدينة أجنبية عريقة، ووجدت في عمقها المدينة القديمة منذ مئات السنين، لكنها مدينة حقيقية وموجودة فعلاً، يمكنني التجول داخلها، لا التجول عبر المخيلة عند تأمل خريطة ورقية كما هو حال مدينتي الرياض، مما جعلني أتساءل ماذا لو كان هذا السور القديم موجوداً كاملاً، وفي هذا الزمن الحديث، ومدوّن عليه تاريخ المدينة وبيوتها وأهلها وحكاياتها، وماذا لو كانت بيوت الرياض قبل قرن ونصف موجودة كما هي، وبشكلها البدائي، لتصبح مزاراً لضيوف المدينة وللأجيال الجديدة من سكانها!
أعرف أن هذا الحلم أكبر بكثير من قدراتنا، وأن تحقيقه يتطلب نزع ملكيات، وهدم بيوت تاريخية، وبنايات ومراكز تجارية، وجهات حكومية مهمة، وأعرف أن التصميم الهندسي للمدينة القديمة بكل تفاصيلها يعتبر أمراً صعباً للغاية، وأن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، لو فكرت بهذا الأمر فستواجه حتماً صعوبات كبيرة، تتطلب العمل لسنوات، وترتبط بإجراءات معقدة مع جهات حكومية أخرى، لكن ماذا لو اكتفت على الأقل بإعادة السور كاملاً، مع بواباته، بتصميمها القديم؟ ألا يعيد ذلك لهذه المدينة العصرية بعض ملامح وجهها القديم!
تذكرتُ هذه الأحلام بإعادة المدينة القديمة المفقودة، حينما قرأت عن مشروع تطوير وسط الرياض، منطقة الظهيرة، وهو مشروع مهم بلا شك، لكنه للأسف يعود إلى التاريخ المعاصر، أي فترة قريبة تصل إلى عقود، ولا يشبه تلك الخريطة التي أتحدث عنها مطلع هذا المقال، فلا أقل من تجسيد مدينة مهمة، وإحدى أهم عواصم العالم، كالرياض، لفترة زمنية تصل نحو قرن ونصف، خاصة أننا نجد كثيراً من المباني التاريخية، بل وحتى المطاعم أحياناً، في أوروبا والغرب، تصل أعمارها إلى قرون، وهو ما يجعلهم يفتخرون بتاريخهم وحضارتهم، بينما نحن نتفنن ونتسابق على طمس تاريخنا، وهدر آثارنا بلا وعي، وبلا شعور بالمسؤولية، فهل تبادر هيئة تطوير مدينة الرياض، وتفكر جدياً بإعادة سُور المدينة القديمة بمواده الطينية القديمة، وبشكله المعروف في الصور، وبكل تفاصيله وبواباته وحصونه؟