د.ثريا العريض
تكهن ما سيحدث في امتداد المنطقة بين جبال أفغانستان وسواحل المتوسط يتطلب مهارة في استقراء الأحداث اللامرئية ومهارات السير في رمال متحركة. العلاقات الثنائية بين البلدين، منذ تفجيرات نيويورك قبل عقد ونصف وحمل بعض المفجرين للجنسية السعودية، تراوح بين الشك والتأزم، رغم التصريحات الرسمية الإيجابية من الجانبين. وازدادت تعقيدا في إطار أحداث السنوات اللاحقة، بعد تحرك صدام لغزو الكويت وتدخل الولايات المتحدة مكونة التحالف الدولي لتحريرها. ولكن الأمر لم يتوقف هناك بل تعقد لاحقا أكثر، بإسقاط نظام صدام، ثم بمفاجآت الربيع العربي المشؤوم وإسقاط أنظمة عربية، وظهور وتغول تنظيم داعش السوريالي، يعيث فسادا بأمن المنطقة في غياب الأمن الداخلي في دول الجوار، والحدودي بينها.
الولايات المتحدة بعد عهدي جورج بوش الأب والابن الذين أدخلاها في صراعات الشرق الأوسط ,وتفريغ الدول من السلطة والأمن، تعيش توجها جديدا مع وصول الرئيس أوباما إلى منصبه منتخبا كأول رئيس من أصول أفريقية وذي صلات آسيوية وإسلامية. وهو مصر خاصة في الفترة الثانية من الحكم على عدم الانقياد لضغوط المحافظين الجدد وإملاءات الصهيونية العالمية. وسياسته الخارجية المعلنة الآن تعتمد عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإنهاء كل الأمور المعلقة التي ورثها من سابقيه. ومنها مسألة إنهاء الخلاف، وإعادة العلاقات الإقتصادية والسياسية مع كوبا وإيران، والتفاهم مع الأخيرة حول برنامجها النووي.
المملكة العربية السعودية لا يمكنها التغاضي عن التقارب بين الولايات المتحدة وإيران؛ الجارة اللدودة للعرب التي لا تخفي تدخلاتها فكريا وثقافيا في شؤون دول الجوار من الخليج إلى لبنان وسوريا واليمن وتدعم الثورات ضد الأنظمة ماديا وعسكريا. ولا يمكن المملكة التهاون في مسألة تدخلات إيران المستمرة في قلقلة أمن الجوار. واستقواؤها نوويا تطور خطير لايمكن الاطمئنان إليه في ظل مبدئها القائم على تصدير الثورة إلى جيرانها. هذا عدا التأثر المتوقع لأسواق النفط حين ترفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وتعود لتصدير البترول إلى السوق الغربي. وهو سوق يعاني حاليا من هبوط الأسعار وكثافة الإنتاج ومنافسة البدائل.
يزور الملك سلمان الولايات المتحدة بدعوة من الرئيس أوباما لطمأنة المملكة ودول الخليج بشأن البرنامج النووي الإيراني، وتأكيد دعم دول الخليج ضد نشاط إيران في سوريا ولبنان واليمن.
الملك سلمان بن عبد العزيز قائد واع وملتزم بحكمة التروي وتبادل الرأي. لا يتهور بإعلان موقف عدائي. في ذات الوقت هو صانع قرار حازم وجسور لا يتوانى عن المبادرة بحماية أمن وطنه والمواطنين.
ولأن الولايات المتحدة حليف استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، تأتي زيارة الملك للولايات المتحدة من منطلق المكاشفة والتفاهم لحماية مستقبل المواطن.
أدعو له، حماه الله في حله وترحاله، بتحقيق مرئياته وأهدافه والعودة إلى الوطن سالما غانما، راضيا مرضيا. قلوبنا مع الوطن في الحل والترحال.