لبنى الخميس
شبه جزيرة عربية عنواننا.. كرم وجود وعزّة تاريخنا.. سُمرة صحراوية تميزنا.. قلبنا سماء الكويت ونبض البحرين.. طموحنا باسق كنخيل الإمارات وعزيمة الدوحة.. جذورنا راسخة كجبال عمان.. واتحادنا عرضة نجدية ثقيلة الإيقاع.
نحن الخليج.. وطن واحد رغم أنف الحدود الجغرافية.. يجمعنا حلم ومشروع مشترك.. وتربطنا ألف قصة وقصيدة وبسمة.. واليوم تزداد روابطنا قوة.. ومصائرنا تشابكاً.. بعد أن مُدت أصابع خارجية قذرة وخائنة على حدود أوطاننا، وتدخلت في شؤون بيتنا الداخلي.. طامعة لزعزعة أمننا وتفكيك وحدتنا.. إذ أعلنت الإمارات والبحرين يوم الجمعة الماضية وفاة 25 جندياً إماراتياً و5 جنود بحرينيين من تحالف قوات الحزم ضد مليشيات الحوثي وصالح في اليـمن.. ذلك الوطن المتخم بأمراض العالم الثالث من فقر وتخلف ومرض.. واليوم يدلف نفقاً هو الأكثر ظلامية في تاريخه، بحرب طاحنة خلقتها هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة، وأشعلت نيرانها في عروق الوطن.
هي إيران.. نمر من ورق.. من تقف خلف كل تلك الفوضى والدمار.. كقط متخبّط وجبان ويحرّض ويقتل عبر خلايا إرهابية تعمل بعقلية ونفسية «الدمية»، نثرتها في لبنان والعراق واليمن.. طامعة لأن يكون لها حظوة وسطوة على تلك الأراضي العربية.. لكن اتّحاد دول الخليج (وطننا الكبير) وقف لتماديها بالمرصاد، مؤكداً أن للصبر حدوداً.. فنسج قصة اتحاد ملهمة، سطرها بخيوط من ذهب الحزم والحسم.. وألهم العالم باتحاد وتماسكه.
هذا الاحتشاد والالتفاف العالمي حول الخليج اليوم.. ومبادرته التي خرجت من عمق الرياض في شن هجمات عسكرية على الجماعات الحوثية الغاشمة.. التي باتت تعيث في اليمن فساداً، وتعبث بمقدراته، وتستبيح شرعيته، تعطي رسالة واضحة للعالم أجمع أن الخليج وطن ذو حدود معنوية وروحية مشتركة.. وتاريخ إنساني موحد، لا يعرف القسمة على اثنين.. ولولا هذا الثقل الدولي الذي تتمتع به دول الخليج.. لما حظيت هذه القضية من التفاف ودعم وحراك عسكري ودبلوماسي عربي.. أجبر القوى العظمى على أن تقف احتراماً لحسمها وحقها بحماية حدودها وسلامة أراضيها.
هذه القضية كلفت خليجنا أرواحاً غالية ونفوساً طيبة وطاهراً، ضحت بأغلى ما تملك في سبيل وحدة هذه البلاد وأمنها.. ما يضاعف المسؤولية علينا نحن أبناء الخليج الآمنين في بيوتنا، والمستقرين في أوطاننا، أن نحذر كل الحذر من الانزلاق في فتن طائفية عفنة، والانجرار خلف تصنيفات سياسية ودينية تهدم ولا تبني.. واتهامات تدمر ولا تعمر.. فاصطفافنا جنباً إلى جنب، ودعمنا المطلق لمشروعنا بالفعل والكلمة والدعاء هو ما تحتاج إليه أوطاننا منا.
أخيراً.. رحم الله شهداء الخليج الأبرار ورجاله الأوفياء الأقوياء الذين سطروا أجمل قصة وفاء وولاء.. بقلوبهم الشجاعة التي لا تعرف الهزيمة.. ولا تبغي للوطن إلا العز والكرامة.. فكلنا راحلون.. لكن بطولتهم وفروسيتهم ستظل راسخة إلى الأبد.. فرحمهم الله، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم أهلهم الصبر والسلوان.. و{إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ}.