لبنى الخميس
سؤال طرحه الجميع على نفسه يوماً وهو واقف أمام المرآة، أو في حضرة من يفوقه جمالاً وجاذبية.. لا تخف لست وحدك! فهناك أكثر من 10 آلاف شخص من مختلف الجنسيات والأعمار والخلفيات الثقافية يسألون محرك البحث (غوغل) ذات السؤال محاولين البحث عن إجابة تريحهم من عناء السؤال.
إشكالية ارتفاع طرح مثل تلك الأسئلة وما يحوم حولها من دوافع، له ارتباط حتمي باتصالنا المكثف مع العالم الافتراضي، الناتج عن ساعات طويلة من الفراغ والوحدة. هذا الفضاء الافتراضي المتمثل بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من فيس بوك، وانستغرام، وباث، وسناب شات وغيرها، سنّ معايير جديدة للقبول، مثل: مدى استقامة أنفك، وبروز عظمة وجنتيك وأنت تلتقط سيلفي، وعدد «اللايكات» التي تحصل عليها بعد نشر صورتك، أو نوعية التعليقات التي تصلك بعد تقديمك فيديو صغير في سناب شات. فهذا العالم شديد التطلب والمنافسة، يطالبنا بأن نكون متواجدين بشكل مستمر ومكثف، ومواكبين لأحدث صيحات النجوم، بل وموافقين على معاييرهم في تقييم الجمال وتعريف الجاذبية.
ما شكل صراعاً نفسياً لدى مراهقي وشباب العالم، ومن ضمنهم شبابنا وبناتنا في المملكة الذين يقضون ساعات طويلة يومياً أمام تلك التطبيقات، فالإحصائيات تقول بأن 6 من كل عشرفتيات يرفضن الإقدام على خطوة أساسية في حياتهن كدخول الجامعة لشعورهن بأنهن لا يملكن المؤهلات لذلك، وقد يكون الموضوع أكثر جدية وخطورة لدى المراهقين، حيث تشير الدراسات بأن 1 من كل 3 مراهقين لا يريدون المشاركة في النشاطات الحوارية في المدرسة لأنهم لا يريديون أن يجذبوا الانتباه لأشكالهم، بالإضافة أنه في الصين وفنلندا والولايات المتحدة، أثبتوا بأن من لا يملك ثقة في نفسه وتحديداً لا يشعر بأنه «نحيف» كفاية، سيحصل على درجات أدنى في الاختبارات.
كل تلك المشاعر المتراكمة في حياة المراهقين وتحديداً الفتيات تفاقمت بسبب معايير الفضاء الافتراضي القاسية عن الجمال، وعدم تلقي الحب والدعم الكافي من قبل الآباء لبناء قاعدة صلبة من الثقة بالنفس، كما أن الحكم المستمر من قبل الأمهات لأناس آخرين أمام أبنائهم المراهقين يعمق المشكلة، ويبعث لهم رسالة مفادها لم تنج من حكم الآخرين، بالإضافة إلى عدم الحرص على تنمية هوايات مفيدة تصقل مهارات الابن، وتعزز من مكامن ثقته بذاته، وأخيراً ضجيج العالم من حولهم وهو يتحدث عن خلطات التنحيف، ومساحيق التحميل، وإبر إبراز العضلات، وحبوب تكثيف الشعر.
السؤال، كيف نستطيع تخفيف حدة هذه المخرجات، وتعزير ثقتنا بأنفسنا وبأبنائنا.. الجواب يكمن في 4 أمور:
1- اعلم أولاِ بأن جمالك لا يتلخص في مظهرك.. بل في أموركثيرة منها وعلى رأسها شخصيتك وفكرك وعطائك الاجتماعي وقدرتك على إسعاد وإلهام غيرك، فكما تقول المذيعة الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري: أنت أكثر من مجرد صورة.
2- لا تخضع لمقايسس الآخرين للجمال.. فالجمال عبر العصور أثبت بأنه مفهوم نسبي غير مطلق.. فلكل منا مفاهيمه وذائقته الفريدة في تذوق الجمال ولابد أنه مر عليك موقف أعجبت بشيء ولم يعجب من حولك والعكس صحيح.
3- هذه النصيحة للنساء أحبي نفسك.. واعلمي بأن أجمل نساء الدنيا هي أكثرهن ثقة.. وأعلاهن جاذبية هي من تدرك أنها أكثر من مجرد صورة ولا تسمح للآخرين بأن بسقطوا مقاييسهم في الجمال عليها.
4- لست في منافسة مع أحد.. أنت كتلة منفردة لم يخلق الله مثلها عبر التاريخ.. استشعر ذلك واستمتع بما وهبك الرحمن من نعم واشكر الله عليها.
أخيرا.. هذه ليست دعوة لنبذ الجمال، أو لتجاهل المظهر، بل بالعكس، هي احتفاء بمفهوم الجمال بشكله الواسع وأفقه الممتد، بعيداً عن حصره في شكل واحد أو نموذج يتيم، أنتج صوراً مشوهة، ونفسيات مدمرة، عاجزة عن لمس الجمال والاحتفاء بتفاصيله المبهرة ووجوه الجذابة.