د.عبدالعزيز العمر
احترام قيمة وكرامة الفرد يُعد العصب الرئيس في أي حضارة إنسانية ، فكرامة الفرد تبقى دائماً حقاً طبيعياً وفطرياً تحفظه له كل الدساتير والشرائع بغضّ النظر عن لونه وجنسه وعرقه. انظر في حال كل الأمم والحضارات التي تتخلّف وتنحط اليوم، وستجد أنّ الخيط المشترك الذي ينتظمها جميعاً، هو إذلالها لإنسانها وانتقاصها لكرامته وحرمانه من أبسط حقوقه التي يأتي على رأسها حقه في الحصول على تعليم نوعي عالي الجودة، تعليم يجعله قادراً على ممارسة مستوى متقدم من التفكير، وقادراً على استثمار قدراته العقلية إلى الحد الذي يجعله يحقق لنفسه باستمرار حياة ومعيشة أفضل، تعليم يهذب خلقه ويرتفع بذائقته ويفيض بوجدانه.
عندما نقدم لطلابنا تعليماً لا يعتني ببناء عقولهم ولا يطور ملكة التفكير لديهم، فإننا في الواقع ننتقص من كرامتهم. وعندما نقدم لطلابنا تعليماً يحوّل كل واحد منهم إلى مكتبة تتنفس، فهذا مؤشر على عدم احترامنا لكينونتهم. وعندما نقدم لهم تعليماً لا يزوّدهم بالمهارات التي تجعلهم أقدر على مواجهة مستجدات حياتهم، فإننا نسلبهم حقاً إنسانياً لهم. وعندما نقدم لهم تعليماً لا يساعدهم على فهم بيئتهم ولا يهيئهم للتفاعل المنتج معها، فإننا لا نحترم إنسانيتهم . وعندما نفشل في تقديم تعليم يجعلهم مشاركين فاعلين في تنمية وطنهم، فإننا نهدر شيئاً من كرامتهم. وعندما تقدم لهم مدارسهم تعليماً لا يحترم الفروق الفردية بينهم، ويعاملهم كما لو كانوا قطعاً متطابقة خارجة من مصنع، فهذا منتهى الحط من قدرهم الإنساني.