جاسر عبدالعزيز الجاسر
آلاف اللاجئين السوريين الذين يتدفقون على الدول الأوروبية، جعلت تلك الدول تفرض ما يشبه الطوارئ، ليس على حدودها فحسب بل داخل مدنها وساحاتها. ودول أخرى أوقفت مرافقها ووسائل نقلها، مثلما حصل في المجر التي أوقفت عمل القطار الذي يربطها بالنمسا وألمانيا. فيما انشغلت الحكومات والوزارات المختصة في العديد من الدول الأوروبية، فإضافة إلى وزارات الداخلية وأجهزة الهجرة، انشغلت رئاسة حكومات أوروبية كفرنسا وألمانيا وبريطانيا في الموضوع الذي أصبح يتجاوز الهاجس الأمني إلى تهديد الوضع الاقتصادي كما في إيطاليا واليونان وصربيا، إذ استقبلت إيطاليا أكثر من مئة ألف مهاجر عبر البحر، كما انشغلت قواتها البحرية في إنقاذ المهاجرين الذين يسلكون البحر قاصدين سواحلها، وهو تقريباً ما يشغل اليونان التي أصبحت جزرها مأوى لكثير من اللاجئين السوريين الذين يصلون إليها من الأراضي التركية القريبة جداً والمتداخلة بحرياً مع الجزر اليونانية، وقد شكَّل هذا عبئاً إضافياً على اقتصاد اليونان المنهك. والتأثيرات السلبية تطال أيضاً صربيا التي أصبحت وكأنها مكان تجمع للاجئين السوريين الذين أصبح افتراشهم لحدائق بلغراد منظراً مألفواً لسكان العاصمة الصربية. وزاد من تكدس اللاجئين في صربيا إغلاق المجر والنمسا وألمانيا تقريباً حدودها مع صربيا لمنع وصول اللاجئين إلى أراضيها، والذين يسلكون طريقاً يبدأ من تركيا التي يصلون إليها من سوريا، ومن ثم يتجهون إلى اليونان، ومنها إلى دول البلقان التي لها حدود مشتركة مع صربيا، ومن ثم يحاولون التسرب إلى المجر ثم منها إلى النمسا، والهدف الذهبي لهم الوصول إلى ألمانيا.
بعض هؤلاء اللاجئين يسلكون الطريق البري، وهو مكلف ومتعب ويأخذ وقتاً طويلاً، ويتعرض فيه اللاجئون السوريون إلى استغلال المهربين الذين يحصلون من كل لاجئ أكثر من خمسة آلاف دولار، ومع هذا يترك هؤلاء المهربون اللاجئين في الغابات عند الحدود مع الدول التي يقصدونها.
طريق آخر يسلكه اللاجئون هو طريق البحر، والذي يعدُّ الأكثر خطورة، إذ نسبة الذين ينجحون في الوصول إلى السواحل الأوروبية أقل من نصف الذين يحاولون اجتياز البحر الأبيض المتوسط، حيث ينقلهم المهربون عبر سفن غير مهيأة، أو أنها تحمَّل بأكثر من طاقتها فتغرق هي وركابها ويصبح اللاجئون طعاماً للأسماك وحيتان البحر.
هؤلاء اللاجئون والذين يسمونهم في أوروبا بالمهاجرين غير الشرعيين، والذين أشغلوا الأوروبيين وأحرجوهم اقتصادياً وأمنياً وحتى أخلاقياً، لماذا لا يتعاون الأوروبيون من أجلهم مع الذين يطرحون إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية لاستيعاب السوريين الفارين من ظلم النظام وإجرام المليشيات الإرهابية والطائفية، وبالتالي إن لم يقضوا على ظاهرة الهجرة غير الشرعية لأوروبا على الأقل يقللوا من أعدادهم إلى أكثر من النصف.