محمد آل الشيخ
كتبت في تويتر تغريدة تقول: في الهند 150 رباً وآلهة، وعشرات الأديان والمذاهب الدينية، وأكثر من ألف مليار إنسان يمثلون هذه الفسيفساء الدينية، ومع ذلك يعيشون بسلام وطمأنينة. ولدى بني يعرب ربٌّ وإله واحد، يتفقون على توحيده، ومع ذلك يقتل بعضهم بعضاً، بوحشية فظيعة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، تنمُّ عن أحقاد نفسية دفينة، وسلوكيات إجرامية، تتستر بمظهريات دينية موروثة؛ فالقاتل يقتل وهو يردد (الله أكبر) والمقتول يموت وهو (يستشهد) استعداداً للقاء ربه شهيداً. وهذه العبارة قرأتها وأردت أن أغرد بها لأرصد ردود الأفعال، ولأعرف ماذا سيقول أولاً (الدواعش) أو أنصاف الدواعش، وثانياً ردود أفعال من يشجبون جرائم الدواعش الدموية، لكنهم يصرون على تبرئة ثقافتنا منها؛ فجاءت التعليقات والردود متباينة؛ منها ما يقفز عن الموضوع ويُدين الشخص وسلالته، وأخرى تنم عن احتقار الهنود، وأنهم أمة خانعة خاضعة، لا شرف ولا كرامة لها، حين كانت الهند محتلة من قِبل البريطانيين، فقد حرروا بلادهم بالسلام وليس بالحسام والشاعر العربي الفحل يقول:
(لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى
حتى يُراقُ على جوانبه الدّمُ)
وعلق أحدهم متقمصاً عنتريات بني يعرب الأماجد الموروثة، فقال لا فض فوه : العرب أمة جُبلت على الشجاعة، فلا يخافون الموت، ويقدمون عليه إقدام من لا يفكر فيه ولا يكترث به.
طيب، دعوني أضع أمامكم هذا السؤال : هل من يُقدم على الموت إلى درجة التهور، ناهيك عن الانتحار، كما يفتيهم المتأخون القرضاوي، أمة قادرة على صناعة الحضارة وريادة الأمم وتقدمها كما فعل الغرب وجزء من الشرق الأقصى؟.. طبعاً لا، إلا إذا كانت الحضارة لا علاقة لها بالحياة الدنيا، قدر علاقتها بالحياة الآخرة, فهذا شأن آخر.
وهذا التهور والاندفاع الجنوني والتفريط بالنفس، هو من أخلاقيات الجاهليين، وليس من مبادئ ولا أخلاق الدين الحنيف كما هي في نصوص الإسلام واضحة جلية.
القضية في تقديري قضية محض معرفية، لذا سأنطلق من تعريف الإسلام الذي أوجزه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام للأعرابي حين جاء من صحرائه يسأله عن الإسلام، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وصوم رمضان، وإيتاء الزكاة، وحج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلاً، وأضاف: إلا أن (تتطوع)؛ أي أنّ ما عدا ذلك فهو تطوع وليس شرط وجوب . فقال الأعرابي: والله لا أزيد عن هذا، ولن أتطوع؛ وذهب إلى حيث أتى . فعلق الرسول: (نجا إن صدق), وفي رواية (أفلح إن صدق)؛ مؤكداً بأنه مسلم كامل الإيمان، بمجرد (التزامه) بهذه الشروط (الخمسة). والحديث حسب معايير المحدثين صحيح السند، وجاء في صيغ صحيحة أخرى مختلفة لفظاً وتتفق في المعنى، ما يجعله عملياً يصل إلى درجة (التواتر) المعنوي.
ماذا نفهم ذلك النص الجلي والصحيح؟
أول ما يتبادر إلى ذهن الإنسان، خاصة الإنسان العقلاني، الذي لا يعرف التعصب العاطفي، وينأى بنفسه وتحليلاته عن تخوم المكابرة والمغالطة، أنّ ثمة أساسيات تأتي بمثابة (شروط الضرورة) لكي تكون مسلماً مكتمل الإسلام، وهذه الأساسيات لا علاقة لها بالزمان ولا المكان، سواء عاش المسلم في عصر النبوة، أو في عصرنا الحاضر، وسواء عاش في مكة المكرمة، أطهر بقعة على وجه الأرض، أو عاش في أية بقعة يسيطر عليها ويتحكم فيها غير المسلمين، فإنه بالتزامه بها يدخل في دائرة الإسلام.
والسؤال الذي يثيره هذا السياق: ما الذي جعل الإسلام في قواميس فقهائه لا يقف عند هذه الحدود، التي حددها بوضوح الرسول صلاة الله وسلامه عليه، ويتوسعون في تعريفه، وفي الحد الفاصل بين المسلم وغير المسلم، إلى هذه الدرجة المتزمتة التي نعاصرها من تكفير المسلمين ورميهم بالزندقة، عند الاختلاف معهم في قضايا هامشية، حتى في العلاج ببول الإبل؟.. السبب ببساطة أنّ الإسلام تم استغلاله طوال تاريخه كأيديولوجيا سياسية. والسياسة تعنى بعلاقة الناس بعضهم ببعض، في حين أنّ الدين يعنى بعلاقة الإنسان بربه سبحانه وتعالى؛ فالشروط الخمسة التي ذكرها الرسول للأعرابي، تقتصر على علاقة الإنسان بربه وتوحيده وعبادته فقط.
ويؤكد ما أقول، أنّ الإنسان المسلم مُكلف بنفسه، لا بغيره، فإذا اهتدى واستقام فلن يضره من ضل وانحرف؛ يقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؛ طيب، طالما لن يضرني ضلال غيري، فلماذا أقاتله وأقتله، وأفرض عليه بالقوة ما أعتقد أنه الإسلام؟
سادتي : عودوا إلى إسلامكم كما نزل على محمد، وتحابوا، ودعوا عنكم البغضاء والكراهية، فإنها ستفنيكم.
إلى اللقاء.