محمد آل الشيخ
الانتحار علة مرضية، تكتنف الإنسان السوي، فيتحول بسببها إلى إنسان مضطرب نفسيا ومختل سلوكيا، فهو أقرب إلى الإنسان المعتوه، يكره الحياة، ويبحث عن الموت الزؤام بحث الإنسان السوي عن الحياة؛ وأبلغ من وصف الانتحاريين وحالتهم المرضية، بدقة وبلاغة، كان الشاعر العبقري «أبوالطيب المتنبي» حين قال ذات إبداع:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
المتنبي هنا يصف المكتئب نفسيا حين تصل حالته المرضية إلى الذروة.
ولا شك أن الانتحاري مريض نفسي، بلغ به المرض درجة العَتَه، وأصبحت حياته هي علته التي يريد التخلص منها، وشفاؤه - حسب أحاسيسه المريضة - في موته؛ فينتهز المتأخونون الثوريون الفرصة، ويقنعونه بما يُسمونه في قاموسهم الفقهي (الاستشهاد)، وتحقيق أمنيته، فيحول جسده إلى عبوة ناسفة، ويفتك بمن حوله من البشر ظلما وعدوانا.
في تقديري أن كل من أفتى بجواز الانتحار، وقتل الأنا، مهما كانت مبرراته، وتأصيلاته، وحيله الفقهية، على قوله جل شأنه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، هو أخطر على العالم وعلى بني البشر اليوم، فضلا عن خطورته على الإسلام، من أي مجرم آخر على الإطلاق, لذلك فيجب أن يلقى هذا الشيطان المتمظهر في مظهر شيخ، أو (عالم) عقابه، وإلا فسوف تتفاقم ظاهرة الانتحاريين المعتلين نفسيا، وتتكرس، ويصبح كل من بلغ به الاكتئاب ذروته، وكره حياته، وأراد أن (يتطهر) من المرض، فسوف يستغله هؤلاء الأبالسة ويقنعونه بالانتحار، وأن ماسوف يُقدم عليه حين ينتحر ضرب من ضروب (الشهادة) والفوز بالجنة، والحور العين. أهم من يفتي المكتئبين بالانتحار هو الأفاك المتأخون «يوسف القرضاوي»؛ فمعروف عن هذا الشيخ الذي يتزيّا بزي العلماء، ويرأس مجلس التنظيم العالمي للإخوان، هو أهم المشايخ المشهورين الذين أفتوا بمخالفة النص القرآني بتحريم الانتحار، ولوى هذا المدلس الأفاك أعناق مدلولات بعض الأحاديث النبوية، وأفتى (بجواز) الانتحار، وسماه غشا وخداعا (الاستشهاد)، وها نحن نرى رأي العين كيف أصبحت فتواه - قبحه الله - هي سلاح الدواعش، الذي به يقتلون ويفجرون ويغتالون؛ حتى وصلت جرائمهم إلى هدم المساجد على رؤوس أهلها.
وما إن حل هذا الأفاك بمقربة من بلادنا، حتى شد الرحال إليه مجاميع من الإخوان والمتأخونين، وحلوا ضيوفا عليه، ينهلون منه، ويتعلمون على يديه، كيف (يثورون)، ويستغلون البسطاء والسذج من خلال الفتوى، لتجنيدهم في كل بقاع الأرض، ليقاتلوا وينتحروا تحت مسمى (الجهاد الشرعي)؛ مزودينهم من خلال الخطب والبيانات، بما يسمونه (الفتاوى) والتشريعات، التي تُسوغ لهم شرعا القتال والفتك، وذبح الغيلة؛ وما إن عاد أولئك (المجاهدون) من مواطن النزاع، حتى وجّه هؤلاء البسطاء فوهات بنادقهم إلينا، وإلى قوى أمننا، يغتالون هنا، يفجرون ويغتالون، فكانت فتن وقلاقل، لا نعلم كيف ومتى سننتهي منها.
ولوضع الحروف على اللوح والنقاط على الحروف، فلا بد من القول هنا: طالما أن ثمة مرضى نفسيين، ومكتئبين، يبحثون عن الموت، ويضيقون بالحياة، فستبقى فتوى القرضاوي ومن دار في فلكه، متقدة نيرانها، تنتقل من بلاد إلى بلاد، وسوف يصبح المسلم ملاحقا في كل بلاد الدنيا أينما حل وارتحل.
صحيح أن تتبع ورصد الإرهاب والإرهابيين ضرورة ملحة امنيا، تعلوا على كل الضرورات، غير أنها لا تكفي طالما أننا لا نواجه ثقافيا جماعة الإخوان، الأصليين منهم، والمتأخونين وكذلك المتعاطفين معهم؛ وما لم يجرم العالم جماعة الإخوان مثلما جرم النازية، فستفشل كل محاولات العالم لدحر الإرهاب.
إلى اللقاء