محمد آل الشيخ
قرار السماح للمرأة السعودية أن ترشح نفسها، وأن تنتخب من تريد، في الانتخابات البلدية رجلا كان أو امرأة، هو من القرارات التاريخية في بلد مثل بلدنا. كما أنه يشير إلى أن مسيرة التنمية البشرية، مستمرة ولن تتوقف، ولن يُعيقها المحافظون اجتماعيا، المتشبثون بالعادات والتقاليد الموروثة المتكلسة، المصرون على أن الأمس دائما أفضل وأنقى وأطهر من اليوم والغد معا أو المتزمتون دينيا، الذين لا ينطلقون من الأدلة الشرعية في الرفض أو القبول، وإنما من افتراضات وهمية افترضوها لا تمت للواقع بصلة؛ فالملك عبدالله - رحمه الله- هو من أدخل المرأة (كعضو) في مجلس الشورى مثلها مثل الرجل، والملك سلمان - أمد الله في عمره - هو من أكمل المسيرة، وحفظ العهد والأمانة وفرض المرأة مرشحة وناخبة في المجالس البلدية؛ والخطوتان في فلسفة التنمية البشرية الشاملة تعتبران بكل المقاييس في مستوى خطوة تعليم المرأة، التي شرعها الملك سعود - رحمه الله - وجاء بعده الملك فيصل - رحمه الله - فنفذها؛ وهذه الخطى في مسيرة المملكة التنموية، تتسق كذلك مع خطوة الملك فهد - رحمه الله - الذي أسس في عهده مجلس الشورى ومعه مجالس المناطق. من يقرأ تراتبية هذه القرارات التنموية، يجد أن هذه الخطوة تعتبر تكملة للخطوات السابقة، وتصب في مصلحة الوطن والمواطن، ذكرا كان أو أنثى؛ وأن القرارات التنموية الكبرى، كهذه الخطوة هي ذات وتيرة واحدة ومتتالية، وإن تنوعت، أو اختلف زمنها، فجميعها تندرج بيانيا في مؤشر يتجه دائما إلى الأعلى، ولا يتوقف أو يتباطأ، فثمة قناعة منذ عبدالعزيز، وحتى سلمان بن عبدالعزيز، مرورا بالملوك الذين جاؤوا بينهم، أن هذا الكيان الشامخ قام ليبقى، فتوقف تنميته أو حتى التباطؤ، أمر مرفوض من حيث المبدأ، ولن يقبله لا السلف منهم ولا الخلف، مهما جعجع المحافظون، أو مانع المتزمتون.
وقرارات تنمية الشعوب وتحضرها هي خطوات متلاحقة ومتكاملة، تقوى ويشتد عودها مع الزمن؛ فالخطوة الأولى وفرضها على أرض الواقع هي الأهم، بعدها تبدأ العربة بالمسير، والوعي بالتفتح، شيئا فشيئا، لتحصد الأجيال اللاحقة، ما قررته الأجيال السابقة؛ فالملك سلمان هنا كزارع الزيتون، الذي قال ذات يوم لمن حوله مشيرا لمنجزات أسلافه: (زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكل من سيأتي بعدنا).
قرار إشراك المرأة في الانتخابات البلدية، مرشحة وناخبة، لا أتوقع أن يُؤتي ثماره من الدورة الأولى، أو الثانية أو حتى الثالثة، وإنما في الدورات اللاحقة حتما، سواء من حيث إقبال المرأة على ترشيح الأعضاء، أو أن تفوز إحدى المرشحات بعضوية هذه المجالس؛ فأغلب الظن أن إقبال النساء في البداية على ترشيح الأعضاء، نساء كن أو رجال، ستكون نسبة متدنية، كما أن فوز المرأة بالعضوية من الدورة الأولى، بعيدة كذلك في تقديري وأرجو من كل قلبي أن أكون مخطئا؛ لكن المهم في هذا القرار، وهذه المسيرة التاريخية، أنها اعتراف بالمرأة كعضو فعّال من أعضاء المجتمع المدني، كما هي في كل دول العالم، مثلها مثل الرجل، بعد قرون من التهميش والإقصاء؛ أما أن تقطف المرأة ثمار هذا القرار فمسألة مُبكرة، تحتاج إلى وعي وزمن وتراكم التجارب، والتماهي معها؛ وهذا حتما ما ستنتهي به أية عملية انتخابية مع الزمن.. تعليم المرأة - مثلا - بدأ قبل قرابة نصف قرن مضى، ولاقى رفضا ومعارضة حينها، وامتنع كثيرون في البداية من إدخال بناتهم إلى المدارس، ولكنهم رضخوا في النهاية؛ وها هي المرأة اليوم لا تكتفي بطلب العلم في الداخل وإنما تشارك الشباب الذكور في البعثات التعليمية في الخارج، وتعود لتشارك مشاركة فعالة في (العمل) على تنمية الوطن، وباء الرافضون أولا والرافضون أخيرا، بالفشل الذريع. فقد تعود قادة هذه البلاد على ألا يكترثوا بأعداء التنمية، وعُشاق التخلف، منذ عبدالعزيز حين رفضو التنقيب عن النفط، وحتى سلمان بن عبدالعزيز وقرار السماح للمرأة مرشحة وناخبة في الانتخابات البلدية؛ فلا مقام ولا مكان في قواميس ملوكنا للتردد أو الضعف؛ فلهم مع هؤلاء الرافضين تاريخ وتراكمات سابقة جعلتهم لا يلتفتون إليهم، قدر التفاتهم إلى تنمية البلاد وإرساء دعائم تطورها؛ وهذا التاريخ مسجل ومحفوظ لمن أراد أن يعرف كيف تصمد الدول الشامخة وتصمد قياداتها أمام جحافل المتكلسين.
ولن يذهب بعيدا من قال: إن بنات وحفيدات من يرفض مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، هن من سيشاركن الرجال غدا في قيادة المجالس البلدية، وسوف تذكرون كلامي.
إلى اللقاء