هدى بنت فهد المعجل
نحن من نعطي الأشياء جمالاً فوق جمالها. وفي حال لم تكن جميلة فنحن من نمنحها الجمال بحبنا للجمال، ثالث القيم الثلاثة التي شغلت الفكر البشري منذ بدأت المسيرة الإنسانية على ظهر الأرض من أجل تحقق رسالة العبودية. هذه القيم هي: الحق والخير والجمال.
عندما نبحث في مفاهيم الجمال في القرآن نجد ما يدل على قيمة الجمال عند الله سبحانه وتعالى وهو يتطرق له في عدة مواضع منها:
1- جاءت وصفاً للإبل في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} النحل:6).
2- وجاءت وصفاً للصبر في ثلاثة مواضع، في موضعين من سورة يوسف على لسان سيـدنا يعقـوب، عليه السلام، في قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف:18). ثم في قوله عز وجل: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف:83)، وفي موضع ثالث في سورة المعارج: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}المعارج:5).
3- ووردت وصفاً للصفح في قوله تعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (الحجر:85).
4- ووردت نعتا للتسريح في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الأحزاب:28)، ثم في قوله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الأحزاب:49).
5- ووردت نعتا للهجر في سورة المزمل في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (المزّمِّل:10).
الجمال المعنى الذي شغل فلاسفة الغرب والعرب قبلهم بدلالته الحسية والمعنوية، نظراً لأنه علم ينتمي إلى علوم الفلسفة. علم يقدم مفهوم علم التعرف على الأشياء من خلال الحواس كما ذهب لذلك الفيلسوف «الكسندر كوتليب بوم كارتن» في عام 1935م. الجمال مسألة فطرية حيث يتجه الطفل فطرياً للشيء الجميل قبل أن يدرك عقله معنى الجمال ومفهومه. فقد تأصل في النفس الإحساس والشعور بالجمال بمنتهى التلقائية ذلك لأن النفس الإنسانية لا ترقى بأحاسيسها إلا من خلال البحث في مواطن الجمال بالتالي تذوقه فهو يهذب السلوك البشري ويعالج الضغوط النفسية والتوتر.
نستقي الجمال من مصادر كثيرة، من الجمال في الإنسان، من الجمال في الطبيعة، من الجمال في الفنون. كل ما هنالك أن درجة وصفة تذوق فرد للجمال تختلف عن درجة وصفة تذوق فرد آخر بناء ما يحتاجه أو لابد من توفره لديه عند التذوق والتي يعتبرها الفلاسفة أساسيات تذوق الجمال منها: توفر عقل منفتح ينقب في الجمال، عاطفة الحب لكل شيء بحيث تغمر قلب الكائن البشري، عين نشطة قادرة على التجول في كل مكان وكل شيء بالتالي تمييز الأشياء والأمكنة، الحاجة لأحاسيس مرهفة تسمو بالمادة. ولا أنسى الأخلاقيات الإيجابية حيث أن الأخلاقيات السلبية لا تري الإنسان غير القبح، أيضاً حاجة متذوق الجمال إلى خبرة بكافة مكونات الحياة والموازنة بين كافة جوانبها المادية والروحية. ولا نظن لأن الجمال فطري، لا يحتاج لتطوير! بالعكس، تذوق الجمال بحاجة إلى تنمية مستمرة وتطوير بواسطة تدريب النفس على المشاهدة المستمرة للبيئة ولصورها المحيطة به وللأشياء والجماليات ربما يسهم في ابتكار صوراً جمالية جديدة وليس الاكتفاء بالموجود ومحاكاته. لماذا يفعل ذلك ! لماذا يتأمل الجمال ويحاول تنميته بالتالي الابتكار!؟ لأن تأثيره جميل جمال الجمال وأكثر وهو يرقى بالأحاسيس ويهذب النفس ويبعث الطمأنينة والراحة ويخفف من شدة الضغوط والقلق والتوتر ويجعل الإنسان أكثر تفاؤلاً ويجعل الحياة مشرقة أمامه بأن تبعده عن مشاعر التشاؤم والحزن. بل أن جميع المفاهيم والسلوك الأخلاقية من خير وصدق وفضيلة وحب مصدرها الأساس الجمال.