هدى بنت فهد المعجل
كنت عائدة من رحلة ترانزيت خارج المملكة عبر دولتي قطر والبحرين. وبينما المسافرون ونحن معهم في وضع الاصطفاف أمام آخر «كونتر» بعده نركب الحافلة التي تذهب بنا إلى الطائرة كان يقف خلفنا بعد كذا مسافر عائلة سعودية مكونة من 8 إلى 10 أشخاص،
يبدو لم يعجبهم الصف والاصطفاف فأرادوا تخطيه بأن سلّموا أحد أبنائهم جوازاتهم كي يتقدَّم بها الصفوف حتى الكونتر. فعلاً تقدّم الصفوف ووصل بها إلى الكونتر وسلّمها للموظف، لكن!
ما بعد لكن هو المهم.
لكن كانت الجوازات التي أوصلها الابن مجرد جوازات خضراء بدون البوردنق - الورقة الأهم للخروج من آخر بوابة، بعدها يركب المسافر الطائرة! كان بإمكان الموظف رفض تقدّم الابن لأنه تخطى الصفوف وخالف النظام لكنه أعادها له لأنها بدون بوردنق فكان أن رجع الابن، حيث تقف باقي أسرته، عاد خائباً خيبة من نوى مع أسرته «كسر الصف ومخالفة النظام» ففشل!
في اعتقادي أن ما يوطّد علاقتنا بالنظام هو كتاب الله المنزل «سبحانه» بحيث إذا أتينا كي نكسر النظام بتصرّف أو بآخر جددنا علاقتنا بالنظام في القرآن وتراجعنا عن كسر النظام، ذلك لأن أقرب كتاب إلينا نعتمد عليه كمرجع يؤسس لعلاقتنا مع النفس ومع الحياة والناس والأشياء من حولنا هو القرآن. القرآن ليس مرجعاً دينياً فقط، بل هو مرجع حياة وعلاقات وتعامل وسلوك وأخلاق لمن اعتبره كذلك فارتبط به وكان سفيراً لدينه في بلده وفي بلدان العالم كافة.
مخجل أن نسافر خارج المملكة، خارج الخليج، خارج الوطن العربي، نسافر لمن دينهم ومعتقدهم المسيحية فنجد الأخلاق بينهم من احترام للصف وانضباط في النظام مهما طال أو امتد فإذا رجعنا لبلدنا لمن دينهم ودستورهم القرآن ونبيهم المثال الأكبر للأخلاق في حين نشاهد أفعال تناقض تلك الأخلاق والسلوك.
كتاب الله مرجعنا الديني قائم على النظام. الكون بأكمله قوامه النظام. العبادات التي نؤديها وفق ترتيب ونظام ثابت. فلماذا عندما نتعامل نبعثر النظام والصف والانتظام. قال تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)، فإذا كانت الأرض خلقها الله بنظام وفي نظام فمن باب أولى من على الأرض عليه الإتيان والمجيء والالتزام بالنظام في سائر معاملاته مع نفسه ومع الناس.
في الكون هناك انتظام للمواقع في السماء لا يتجاوز موقع على موقع آخر. كما أن هناك انتظاماً في الحركة «كل في فلك يسبحون» بحيث لا يسبح أحدهم في فلك الثاني. الكون أمره الله بالانتظام والنظام فانتظم وهو جماد، بينما نحن نقرأ القرآن، نتعبد به لكن ما أقل تطبيقنا للذي يرد فيه من ذلك النظام والانتظام في الصف والدور!!