هدى بنت فهد المعجل
ما من شيء غير الموت يباغتنا فجأة ويأخذنا من عالم مشهود لعالم آخر مجهول علينا. يغيبنا عن العالم الدنيوي غيابًا نهائيًا فنصبح موتى بالنسبة لهذا العالم أحياء بالنسبة لعالم آخر.
وعلى الرغم من كوننا أحياء في عالم آخر إلا أن هذا الموت يفزعنا يخيفنا يرعبنا لأنه الموت الذي يفرّق بيننا وبين من نحب، يفصلنا ويبعدنا عنهم. جميعنا على معرفة تامة بأن الموت آتٍ لا محالة كي يأخذنا أو يأخذ غيرنا فإذا أتى فزعنا جزعنا كأنما الذي أتى لا نعلم عنه شيئًا!!. لماذا!؟.
ما من دين ولا مذهب أو لا فكر إلا وأفرد لظاهرة الموت كلام كثير وكتابات عدة وبحوث لا حصر لها. فهو عند الصوفية الحجاب عن أنوار المكاشفات والتجلي وقد صنفوا الموت أصنافًا أربعة هي: الموت الأحمر، وهو مخالفة النفس، والمسمى بالجهاد الأكبر. والثاني: الموت الأبيض، وهو الجوع، وسمى بذلك لأنه ينور الباطن، ويبيض وجه القلب. والثالث: الموت الأخضر، وهو لبس ما يستر العورة، وتصح فيه الصلاة، وسمى أخضر لاخضرار عيش صاحبه بالقناعة. الرابع: الموت الأسود، وهو احتمال الأذى من الخلق، والصبر على أحوالهم، وسلوكهم في المعاشرة. كما نرى أن فلسفتهم لا تعني الموت نهاية الأجل. بينما للغزالي فلسفة حسنة في الموت اقتطع منها هذا الجزء: «الحمد لله الذي قسم بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياسرة، الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة، حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة، فنقلوا من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في التراب، ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة، ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل، فانظر هل وجدوا من الموت حصنًا وعزًا، واتخذوا من دونه حجابًا وحرزًا، وانظر هل نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزًا؟» الله أكبر. كلام مؤثر رادع موجع لكل قلب وعقل يستوعب. حيث من المهم الحديث عن الموت من داخل إطاره الديني ذلك لأن المشكلات الفكرية والعقدية تنشأ عندما يتعاطون مع الموت من خارج هذا الإطار تعاطي بعض الفلاسفة فمنهم من أصاب والكثير منهم جانبه الصواب. لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى فلسفة رينيه ديكارت مع الموت حيث قال: «أعلم جيدًا أن لك ذهنًا متقدًا وأنك تعرف جميع ضروب العلاج لا تهدئ حزنك، لكن لا استطيع الامتناع عن إخبارك بعلاج وجدته بالغ الأثر، لا في مساعدتي على أن احتمل صابرًا موت أولئك الذين أحبهم فحسب، وإنما كذلك في القضاء على خوفي من موتي، وذلك على الرغم من أنني أنتمي إلى أولئك الذين يعشقون الحياة عشقًا جمًا، ويتمثل هذا الضرب من العلاج في النظرة إلى طبيعة أنفسنا، تلك الأنفس التي أعتقد أنني أعرف بوضوح بالغ أنها تبقى بعد الجسم وأنها قد ولدت من أجل ضروب للفرح والغبطة أعظم كثيرًا من تلك التي نتمتع بها في هذا العالم، وأنني لا استطيع التفكير في أولئك الذين ماتوا إلا باعتبارهينتقلون إلى حياة أكثر سلامًا وعذوبًا من حياتنا، وإننا سننضم اليهم يومًا ما، حاملين معنا ذكريات الماضي ذلك لأنني أتبين فينا ذاكرة عقلية من المؤكد أنها مستقلة عن الجسم». صدق الله العظيم حيث يقول: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وإنما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُور} فالنفس عندما تذوق يحدث بعد الذوق إما الموت وإما الإعادة وهنا تبقى الروح سرًا من أسرار المولى سبحانه.