ناصر الصِرامي
رغم الجهد الإعلامي الكبير المتتبع للجماعات الإرهابية التكفيرية الجهادية، والفاضح لمنهجها وأهدافها الخطرة على الأمن والسلم الاجتماعي، محليا وإقليميا ودوليا، إلا أن شراستها التي تشكلت خلال قرون من تسويق الفكر الأحادي الإقصائي ستحتاج للكثير قبل أن يتضاءل تأثيرها أو يحاصر. لكننا بالتأكيد في مواجهة مرحلة مختلفة عن سابقتها.
تختلف في تسويق العنف والتجنيد له، بل وتختلف أيضا -في طريقة القتل والإرهاب، فداعش لم تعد جماعة إرهابية وحسب، ولكنها أصبحت فكرة تجذب الكثير من المرضى والحمقى والمحبطين، ومن لديهم رغبات انتقامية، الفكرة الداعشية أصبحت عنوان اليوم لكل عمل إرهابي في أي بقعة بالعالم، خصوصا إن كان المنفذ من خلفية دينية داعشية!
لم تعد داعش مجرد تنظيم له إطار جغرافي محدود، بل إن تمدد الفكرة جعله عابرا للقارات، والانتماء للتنظيم لا يتطلب إلا علم -قماش- بالأسود والأبيض مكتوب عليه محمد رسول الله- بشكل مقلوب، لتأكيد إسلامية الشعار، والقيام بأي عمل إرهابي بغض النظر عن حجمه وتأثيره.
صحيح أن وجود التنظيم ككيان، انحصر اليوم في مساحة محددة من هذا الكوكب، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المنطقة العربية والإسلامية تحديدا، إلا أن الفكرة الإرهابية الداعشية لم ولن تتوقف عند إطار جغرافي محدد، طالما أن التنظيم يتحرك بطرق مفتوحة.
هناك قوى متنازعة على النفوذ ظلت وستبقى تستفيد من جنون إرث العصابات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وتناور بها في سبيل تحقيق مكاسب لها، وتوجيه البوصلة الإرهابية عنوة عبر هذه العصابات أو الجماعات المسلحة في الاتجاه الذي تريد، وتحقيق المزيد من النفوذ والضغط الجغرافي والسياسي والاقتصادي، إلا أن الفكرة التي تقود هذه الجماعات المسلحة، والتي أصبحت «إسلامية» في الغالب لا يمكن السيطرة عليها بسهولة، وستنزح فيروسات منها لتنتشر حتى في الدول والمدن التي تعتقد أنها محصنة أو بعيدة عن خطر هذا الفكر المتطرف الرهيب.
بعد نحو أسبوع تحل ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 9-11، أحداث الثلاثاء 11 من أيلول/ سبتمبر 2001 ، مجموعة من الهجمات الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة. بعد أن تم تحويل اتجاه أربع طائرات نقل مدنية تجارية وتوجيهها لتصطدم بأهداف محددة نجحت في ذلك ثلاث منها. منذ ذلك التاريخ إلى اليوم قتل أسامة بن لادن، وقبض على قيادات في تنظيم القاعدة الذي تبنى الهجوم، لكن الإرهاب لم يخبُ أبدا، وكذلك نظرية المؤامرة، إلا أن الإرهاب تطور وظهر بفحش أكبر، وبتنوع أكثر تعقيدا، فقد تغير الكثير من المفاهيم والقناعات المحلية، لكنها لم تستطع الحد من ظاهرة الإرهاب، ولم تتوقف تغذيته الفكرية،كما لم تخنق بشكل كاف مراجعها الثقافية والمعرفية، والروحية أو حتى النفسية كما يجب، أو تواجه بمشروع فكري ثقافي- عربي إسلامي، قادر على تحقيق نتائج ملموسة، تدعو للتفاؤل بتقلص الإرهاب ومحاصرته... حتى الجهاد بمعناه التقليدي يحتاج إلى إعادة ترميم في ظل منظومة الدول الحديثة، كما فكرة الشهادة وتصنيفها، لم تتبدل كثيرا، فالفكرة القاتلة لم تعرض للتصحيح والتهذيب بعد.
هذه الجماعات، وتيارات الإسلام السياسي، لازالت تمارس إحلامها خارج الجغرافيا الحديثة- كما نردد باستمرار، ورغم فشل هذه الأيدلوجية القديمة في تحقيق حد أدنى أو فتح يذكر، إلا أنها استطاعت أن تتفوق في نشر فوضى الإرهاب الدولي!
فإرهاب القاعدة ، وداعش، و كل الجماعات المسلحة الجهادية مهما اختلفت مبرراتها ومرجعيتها في العالمين العربي والإسلامي، لم تحقق إلا الدمار والقتل والفوضى، وفي أحسن الأحوال السيطرة على أحياء صغيرة وإعلان إمارة تسميها للأسف إسلامية، تمارس فيها كل أنواع التجاوزات الأخلاقية والإنسانية بغطاء يسمى «شرعي»، بما في ذلك الدعارة وتسهيل مرور المخدرات وتجارة البشر!
القصة المهمة، أو الإيجابية في كل ما يحدث هو أن العالم، كل العالم، أصبح مستعد أخيراً للتحالف لمواجهة خطر الإرهاب والتطرف، بعد 14 عاما من أحداث أو مؤامرة 9-11-لا يهم الوصف-، بقدر الاتفاق على أن الفكر الإرهابي لا يزال يعلن عن شراسته بشكل لافت!