سمر المقرن
استكمالاً للمقال السابق، الذي تناولت فيه التغيير الاجتماعي والفكري المتوقع نتيجة الأزمة الاقتصادية المتوقع حدوثها بسبب انخفاض أسعار النفط. فبكل تأكيد ستتغير الأنماط الشرائية، والشراء سيكون على قدر الحاجة سواء أغذية أو احتياجات أخرى، وسيُجبر الناس على تصغير حجم الولائم، وستقل نسبة الإسراف الغذائي في البيوت سواء في الوجبات اليومية أو المناسبات. وحتى الحفلات والأعراس التي يدفع عليها الناس مئات الألوف لأجل ساعتين أو ثلاث لترى فلانة فستان فلانة وتنقد فلانة ماكياج الأخرى، وبقية المعازيم يقع على كاهلهم نقد البوفيه أو نوعية الشوكولاتة التي تقدم مع القهوة هذا كله سيتغير إن لم يتلاشى نهائيًا!
ولأكون أكثر صراحة، فإن الحالة الاقتصادية العالية لدينا جعلت الناس بكل فئاتها لا تعيش همومًا تتجاوز المرأة والحجر عليها، وقضايا الاختلاط تكاد تكون أكثر ما يُشعل الجدل في المجتمع، وبقية روزنامة القضايا التافهة، التي تُدفع لأجلها ملايين وأحيانًا مليارات، فالفصل التام بين الجنسين على سبيل المثال يُكلف كثيرًا من مباني مجهزة أو غرف إضافية أو حتى حواجز وسواتر تكلفتها ليست رخيصة، ولو لم نكن مترفين وقادرين على الدفع لما تمكنّا من هذا الفصل في كل القطاعات والمؤسسات. وحتى قضية قيادة المرأة للسيارة، فعندما نذوق مرارة الأزمة الاقتصادية سيتقلص كثيرًا عدد المعارضين لها، بل سنجد من يعارضها هو أول من يُطالب بها، لأنهم ببساطة لن يتمكنوا من دفع أجور السائقين ولا من دفع نفقات السيارات التي يقوم بتخريبها يوميًا السائقين، وسيضطرون لمشاركة المرأة وسيتقبلونها في كل مجالات الحياة!
أضف إلى ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية ستؤثر على دخل الفتاوى التي يُدفع لها ملايين، والمحاضرات التي يُدفع لها مئات الألوف، ولن تعد البنوك قادرة على أن تدفع لبعضهم مقابل فتوى، لأن هناك فئات في المجتمع تفكيرها سطحي وتصدق بوجود بنك إسلامي وبنك غير إسلامي، فهذه الفئات السطحية ستكون مع الأزمة أكثر عمقًا، ومن لم يصل إلى الوعي في وقت الترف فسيصل إليه بالإجبار وقت الحاجة ووقت معرفة قيمة الريال!
في الأزمة الاقتصادية لن يتمكن المواطن الذي سيحتاج إلى شيء من الترفيه أن يسافر في عطلة نهاية الأسبوع لدولة خليجية -فقط- ليشاهد فلم في السينما، سنضطر لفتح صالات للسينما حتى يتم تخفيف وطأة الوجع الذي سيعيشه الغني والفقير!
من هذه الجوانب وغيرها أقول إن الأزمات الاقتصادية ليست شرا محضا، بل هي -أحيانًا- تكون بابًا للخير وللتغيير الاجتماعي الذي يحتاج إلى صدمة قوية تغير من أنماط الفكرية وتؤثر على اهتماماته وتوجهه نحو ما يستحق، ولن يكون المجتمع وقتها همومه في التركيز على السطحيات. الأزمة الاقتصادية ستغير المجتمع الذي آن الأوان أن يصل إلى مرحلة النضج!