سمر المقرن
لا أستسيغ شخصيًا، تصاريح بعض القبائل والعائلات عندما يخرج من بينها فرد ينتمي للجماعات الإرهابية، لتعلن رسميًا براءتها منه وأن أفعاله وأفكاره لا تُمثل القبيلة أو العائلة.. صارت هذه «لزمة» مكررة عند -بعضهم- بعد أي عمل إرهابي، أو بعد القبض على أفراد ينتمون لهذه الجماعات. بكل صدق أقولها، لو أن على كل قبيلة أو عائلة أن تقوم بمثل هذا الإعلان فإن كل قبائلنا وعائلاتنا عليها أن تخرج وتعلن البراءة من أي إرهابي ينتمي لهم، فهل هناك بيت لم يسلم من بعيد أو قريب ينتمي للجماعات الإرهابية؟ أو على الأقل يؤمن بمعتقداتهم؟ لا أظن، فقد صارت هذه المعتقدات تجري مجرى الدم في العروق داخل بيوتنا، وهذه الأحداث الدموية وسطنا ومن حولنا في معظم الدول العربية هي خير دليل على أن الفكر الإرهابي ينمو بسرعة مذهلة، بل أسرع مما نتصور، وكأن جانب الخير قد أضمحل من حياتنا حتى صرنا لا نرى سوى جانب الشر المظلم لدى الإنسان.
الفكر الإرهابي لم يعد محدودًا بنطاق جغرافي معيّن، كما كان قبل سنوات قليلة في أحداث 11 سبتمبر التي كان أغلب جُناتها من بني جلدتنا، بل هو توسع عالميًا حتى صار ملاذًا لكل مريض نفسي سواء من الجنسية العربية أو الغربية، ولعل الجنسيات المتعددة المرتبطة بتنظيم داعش هي تأكيد على ذلك، وكنت قبل أيام وأنا خارج المملكة قد التقيت صدفة في مكان عام بسيدة من إحدى دول المغرب العربي، وبما أن أول سؤال يطلقه الغرباء في هكذا مواقف هو السؤال عن الجنسية، فقالت بعد أن علمت بأنني سعودية: (إنتو كثير منكم راحوا مع داعش) فقلت: (وإنتو كثير منكم قيادات في داعش).. وابتسمت في وجهها بعد ردي وحتى لا يحتد الحوار العابر قلت لها لدينا مثل شعبي يقول: (الشبك يعاير المنخل).
ما أود قوله من نقلي لهذا الحوار السريع، يتلخص في نقطتين، الأولى: أن الفكر الإرهابي لم يعد يخص بلد بعينها، وإن كانت النسب تتفاوت من بلد لآخر، إلا أن فيضان هذا الفكر بدأ ينتشل أمان مجتمعاتنا. والنقطة الثانية: أننا يجب أن لا نتوقف عند فكرة أن الإرهاب هو داء مصابة به مجتمعات كثيرة غيرنا ومثلنا مثلهم، بل علينا أن نعترف بنسبته العالية وأنها تزداد بطريقة مخيفة، لذا لا بد من وضع خطة عاجلة لإيقاف مد الفكر الإرهابي من جهة ومعالجة الحالات المستعصية من جهة ثانية.
وأيضًا من المهم تغيير البرامج وتعديلها بحسب مقتضيات الحاجة والمتغيرات الفكرية والاجتماعية والتكنولوجية، فالبرامج التي نجحت -إلى حد ما- في سنوات سابقة، قد لا تكون فعّالة في الوقت الحالي الذي تتغير فيه الأفكار وتتبدل مع الأحداث والأوضاع السياسية والاقتصادية التي هي بدورها متغيرة بشكل سريع.
نحن نؤمن ونعترف بأن إيران هي الدولة الأولى الراعية للإرهاب والقائمة على إيجاد ودعم هذه الجماعات، لكن نقدنا لهذه الدولة الإرهابية قد لا نحتاجه في هذه المرحلة، بقدر حاجتنا إلى نقد أنفسنا التي تمكنت إيران وغيرها من تسريب أهدافها الإرهابية عبر نبتات فكرية كانت تنتظر الري الإيراني!