سمر المقرن
يكثر الحديث هذه الأيام حول أزمة اقتصادية سوف تعتري السعودية بسبب انخفاض أسعار النفط، وهناك تخوفات كبيرة أراها مكتوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو أسمعها عبر أحاديث المجالس. وبرأيي الشخصي أن الأزمة الاقتصادية ليست كلها (شر) فالمجتمع السعودي بحاجة إلى صدمة قوية تُغير من عادته السلبيّة، وتوجه أساليب تفكيره نحو هموم أكثر عمقًا من الهموم التي يعايشها في الوقت الحالي. إن مرور البلد بأزمة اقتصادية يعني أن الجميع سيكون معنيًا فيها، ولعلنا نأخذ هنا تجربة الشعب اليوناني الذي ما زال يعاني من أزمته منذ ما يقارب الست سنوات أو أكثر، فاليونانيون كونهم شركاء مع القرار الحكومي تفهموا جيدًا المرحلة التي يمرون بها، واستوعبوا الحالة الصعبة التي عصفت ببلادهم، وتمكنوا من تقليص مصاريفهم المادية كونهم يمتلكون الوعي الكافي بكل ما يدور حولهم، طريقة تفكير الشعب اليوناني تكاد تكون مختلفة عن بقية الشعوب الأوروبية، لكنهم بالنهاية أحفاد الفلاسفة والعمق الحضاري أوصلهم للتعامل الواعي في أبسط سلوكيات حياتهم مع الأزمة التي تعيشها بلادهم.
نحن هنا في السعودية شعب مُترف، نعم لدينا فقراء لكننا لم نصل إلى الحد الأدنى من الفقر الذي يجعل الناس تعيش أيامًا بلا طعام، الفقير لدينا لم يصل إلى مرحلة أن يعاني من الجوع إنما معاناته في عدم قدرته على تسديد الفواتير أو في الصعوبات التي تواجهه عند حلول موعد دفع إيجار المنزل، على الأكثر.
في الأزمة الاقتصادية، سيشعر الطالب المترف بقيمة التعليم المجاني ولن يُمزق الكتب المدرسية بل سيحافظ عليها ويحترمها لأنه سيفكر كيف يبيعها في نهاية العام الدراسي. وسيشعر الطالب الجامعي بقيمة المكافأة التي تصرفها له الجامعة كل شهر، لأنه سيتغير ويبدأ يُفكر بالعمل ليصرف على تعليمه، كما هو حاصل في كثير من الدول العربية الشقيقة التي تنتشر لديهم ثقافة العمل. سينشغل الطالب وحتى الطالبة وأساتذتهم وبقية أفراد المجتمع بأمور أكبر من هاشتاقات تويتر والتغريد على الفاضي والمليان، واستخدام التقنية بشكل سلبي كترويج الشائعات عبر هذه المواقع أو عبر الواتسأب، سينشغل الناس بما هو أهم من هذه التفاهات، ولن يستخدموا شبكة الإنترنت إلا للأشياء المهمة لأنهم سيحاسبوا على مصاريف التشغيل ولن يكون مفتوحًا طوال الوقت توفيرًا لقيمة مصاريفه التي ستذهب إلى ما هو أهم.. لذا ستنتهي التفاهات الانترنتية ولن يكون لها سوق رائجة.
سيتغير المواطن السعودي ليشعر بقيمة الصحة المجانية ولن يذهب -بعض- المرضى للمراجعة في عدة مستشفيات لتصرف له نفس الدواء الذي يزيد عن حاجته فيُلقى في سلة المهملات، سيشعر حينها بقيمة الكشف المجاني والعلاج المجاني. بل ستضطر هنا وزارة الصحة أن تضع خدمة رقم الملف الموحد بدلاً من أن يكون للمريض الواحد في كل مستشفى ملف وغير مضاره الصحية في اختلاف تعدد التشخيص فهناك مضار مادية وأخذ وقت وعلاج يستحقه مريض آخر!
ونظرًا لكون مساحة هذا المقال لا تتسع للتغييرات الاجتماعية جراء الأزمة الاقتصادية، فسأكملها معكم السبت المقبل في هذه الزاوية.. أراكم على خير.