د. خيرية السقاف
هذا الصغير يمسك بكف أبيه، أما هي تلك الغضة فتدس رأسها في جنب أمها متمسكة بثوبها، لا يبارحان موطئاً فيه تدب أقدامهما..، حيث يذهب الأبوان يرافقانهما
هكذا كان الصغار..!
وهكذا تعلموا بالملاحظة قبل أن يجعلها التربويون المعاصرون نهجاً في التعليم، والتدريس،..
وهكذا منهما تعلموا الإصغاء بحسن الصمت، وأدركوا فوائد الانتباه لما يقول ويفعل الكبار، وهم في إثر والديهم يتحركون،.. ويكتسبون وهم ينمون، إلى أن تطول أقدامهم، وتتجه نحو طرقهم التي تخصهم،.. حينها يكون كل أبوين قد أسلما لهذه الطرق رجلاً ناضجاً في إهاب شاب، أو امرأة ناضجة في كيان فتاة..
لذا كان الصغار برفقة آبائهم وأمهاتهم يتعلمون في كنف أمين، وآمن، وثري، ومعطاء، ومستديم، فيه يكتسبون الخبرات عن مصادر جلية، بمقاصدها التي لا تنفر عن عصبة الأخلاق، ووعي الجِنان، وصقل القدرات، ودربة المدارك، ومعرفة ما يفيد عند محكات التفرّد بالخبرة، والتجربة، وكانت رفقة الآباء مدرسة لأنّ فيها حسن اختيار المؤدبين، والثقة في المعلمين، والوقوف على تفاصيل التنقل إليهم، ومنهم. ولم يكن الصغار حتى يبلغوا الرشد إلاّ طلاباً في درس، ومريدين لعالم ، وشغوفين بالعلم ، ورفقاء للقدوة الحسنة بين آباء حُرَّص، ومعلمين خُلَّص.
في الوقت الذي لا يجد فيه الأبوان في هذه المرحلة من الزمن طفلاً يمسك بمعصم أبيه، أو بنتاً تلتصق بجنب أمها، فمنذ أن يلثغا الألف ، إلى أن تنضج لثغة الياء في مخارجها على لسانيهما وقد اتجها برفقة المربية، والسائق، للسوق، وللصاحب، وللمطعم ، ولحفلات الزملاء، وللمدرسة، ولصيانة الجهاز، أو ابتياع جديد، ولحيث لا يدري الوالدان عن تفاصيل الطرق التي يؤمّها الأبناء، إلاّ اللمم عنها عند السؤال منهم، وعند الإجابة العجولة من الأبناء عنها،..
ويكبران شيئاً فشيئاً، ورفيقهما «الجهاز المتنقل» بشتى أنواعه واستخدامه، بمعارجه، ومؤثراته، وخلفياته، ولغاته الفكرية، والوجدانية، والنفسية، حيث تتشكل أفكارهم في منأى عن رفقة الوالدين، وتنفصل حاستا السمع والشم فيهما عن رائحة ، وصوت والديهما..
تأخذهما شتى الأهواء، والتفاصيل، والميول ، والوالدان في عسل الثقة ، والاطمئنان يرفلان..، والخفافيش تعمر طرق الأبناء كالظلال..
فما حصاد الرفقة قبل أن يتم الافتراق بين الوالدين، والأبناء، في هذه المرحلة من زمن الفوضى، والشتات..؟!
مقارنة بحصاد ثلة من نظرائهم السابقين، وقلة مثلهم من الحاضرين..!!