د. عبدالعزيز الجار الله
قضية البعد الإنساني في العمل البلدي لها مضامين تنبع من الإنسان نفسه، المدن كائن حي تشعر بنضها وتلمس مشاعرها، فالقائد في العمل البلدي يستطيع أن يلفت نظرك إلى جماليات المدينة بل يجعلك تعشقها وتحب ناسها، مؤخرًا أصدر الأمير عبدالعزيز بن محمد بن عياف الأمين السابق لمدينة الرياض كتابًا عنوانه: تعزيز البعد الإنساني في العمل البلدي - الرياض أنموذجًا-. وهي حصيلة عمل امتدت من 1418هـ حتى 1433هـ (1997-2012م) حاول أن يكشف عمّا يسميه الأنسنة في العمل البلدي وفسرها في أكثر من مضمون ومعنى منها: إيجاد تناغم بين النسيج الحضري لمدينة الرياض ووجدان إِنسانها.
الحقيقة أن المدن تدلل عن نفسها وتعلن عن جمالها فليس الصب وحده تفضحه عيونه بل المدن تفضحها عيونها:
مدن تشعرك بالحميمية ودفء السكان الغامر.
مدن تجذبك بجمالياتها الطبيعية ولمسات المعماريين ومسؤوليها ممن تمتعوا بالذائقة والانحياز للإِنسان.
مدن آسره تأسرك بجمودها فلها (عذوبة) الأسر.
مدن صادمة تبهرك بضخامة تكوينها.
مدن مرققة بالنفس التاريخي.
مدينة الرياض مزيج بين أشكال المدن: الحميمية، وجاذبية البناء، وعذوبة الجمود الآسر، والصادمة بضخامة العمارة كدليل على قوة المعمار، ومرققة بمسحاة التاريخ العطر. فأضاف عليها المؤلف الأمير عبدالعزيز بن عياف مسحة الأنسنة (إنسانية المدن) وهي الرابط بين الإنسان والمسكن والحي السكني ونواحي المدينة الأخرى بكل أبعادها التخطيطية والمعمارية والحضرية. لا أقول إن المؤلف نسب أنسنة الرياض لعمل أمانة المدينة بل أولاً وقبل كل شيء إلى الله العلي القدير ثم للقيادة الملك عبدالله والملك سلمان والأمير سطام، حيث عمل في فترة الطفرة الاقتصادية والتنموية الثانية حين كانت عوائد النفط تتدفق فعمل على الربط بين الإنسان والمدينة وذلك بفضل قيادات الدولة والقيادات البلدية.
الأنسنة التي تحدث عنها المؤلف هي إعطاء كل حي جرعته الإنسانية في فترة إدارته: الحدائق، ملاعب الأطفال، مضمار المشي، الملاعب الرياضية، جعل المدينة تتنفس بأشجار الشوارع، الأرصفة المستعرضة، شوارع المساء والمقاهي، الاحتفالات الموسمية والاحتفالات الشعبية وأيام الزهور. فالأحياء شاهد على هذه الأنسنة.
بلا شك أننا شهدنا تغييرًا في العمل البلدي الذي كان تركيزه في السابق على إيصال الخدمة فقط، أما الجماليات تتحصل من فائض الميزانيات، ففي السنوات الأخيرة أصبح الاعتناء بالأحياء السكنية بندًا أساسيًا من أبواب وبنود الميزانية، فكتاب تعزيز البعد الإنساني لفت الأنظار إلى الرياض كمدينة وعاصمة تجاوز سكانها (6) ملايين نسمة وبأن الرياض تداركت نفسها بجعل الأنسنة سمة ومحورًا أصيلاً في العمل البلدي.