صيغة الشمري
شيء لا يكاد يُصدق هذا الذي يحدث بين أروقة بعض الصحف السعودية من تهاو مفاجئ يدعو للعجب والحيرة والإحباط، ينبئ المشهد الذي يحدث أمامنا للصحف هذه الأيام أنه لن يصمد منها واقفاً سوى أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، لدرجة الخوف أن الانهيار ربما يصل لتلك الصحف التي نفاخر بقوتها وربحيتها وثقة القارئ بها،
وللأمانة فما يحدث له أسباب عدة أغلبها لا دخل للقارئ بها ولا لحالة السوق، بل إن السبب الرئيس أن الصحف اليومية لا توجد بها إدارة مالية متخصصة ترشد مجلس الإدارة ورئاسة التحرير وتقدم لهم نصائح مالية كل ثلاثة أشهر للحفاظ على الربحية أو على الأقل للوصول إلى (البريك أيفن)، هذا غير بناء الصحف الخاطئ من ناحية إدارية، حيث إن مجلس إدارة الصحيفة يقوم أولاً باختيار وتعيين رئيس التحرير ويترك له الحبل على الغارب للعبث بأكثر من مائتي مليون ريال دون خلفية إدارية أو تجارية، فيضع ثقله باختيار طاقم التحرير، وقد يبدأ إطلاق صدور الصحيفة قبل تعيين مدير علاقات عامة أو تسويق ليجد نفسه بعد زمن محتاجاً لتنقيص عدد المحررين للعجز الكبير في الميزانية. كم تمنيت أن يقوم مجلس إدارة صحيفة بتعيين مدير علاقات عامة وإعلان وتسويق فيها قبل تعيين رئيس التحرير! وهذا ما لم يحدث ولن يحدث أبداً نظراً للفهم الخاطئ من الأساس في تأسيس مشروع صحيفة يومية. كثير من الصحف تفتقد للتخصص سواء في التحرير أو غيره من الأقسام، لدرجة أنك تجد بعض قيادات الصحف التحريرية لا يحملون شهادات صحافية ولا يملكون حساً صحفياً، بل أخذوا مناصبهم بقوة التقادم حيث تلاشت خبرتهم الصحفية وامتلكوا إدارة صحفية هشة.
هذا غير ترك إدارة الإعلانات والتسويق للأجانب بدلاً من السعوديين لتظل الصحيفة تحت أياد غير وطنية لا يهمها سوى مصلحتها بعيداً عن تأسيس عمل مؤسساتي بعيد المدى. اعتماد أغلب الصحف على اشتراكات الدوائر الحكومية جعلها غير مهتمة كثيراً بربحية البيع ورصد الكميات المباعة لدرجة إهمال جرد الرجيع وترك الحبل على الغارب دون حسيب أو رقيب. ضعف مستوى كتاب الصحف اليومية وقلة الكتاب الناجحين الذين لهم متابعون ولا تكاد تجد كاتباً صحفياً تستطيع القول عنه أنه يؤثر في الرأي العام السعودي مثل بقية كتاب الصحف في البلدان الأخرى. ضعف المهنية الصحفية أفقدت الصحف أهميتها وفقدت مصداقيتها أمام القارئ. الحل الأفضل اندماج الصحف بدلاً من الحل الأضعف وهو تحويل الجزء الأكبر منها إلى إليكتروني، وهذا ما يؤدي فيما بعد إلى إقفالها أتوماتيكياً بشكل متوقع، لضعف موارد الإعلانات في الموقع الإليكتروني، ورخص أسعاره التي لا تكاد تذكر مقابل الإعلانات في الصحف الورقية. تهاوي الصحف الورقية هو نتاج طبيعي لما يحدث في عزوف الناس عنها، ولكن هناك نور وأمل في نهاية النفق أن تعود السيادة للصحف الورقية التي تستطيع الصمود والبقاء لحين ذلك الوقت!