صيغة الشمري
أحياناً أتهم مقالاتي برؤية المشهد من زاوية سوداوية، أحياناً أقف خصماً لنفسي في الكثير مما أكتب، علّني لا أحمل وزر أحد أو أنتقص من قدر أحد دون أن أعلم، وكتابة هذا الموضوع - بالذات - وجدت نفسي معه لا أستعجل في كتابته وأتردد في بعض الاستنتاجات التي تظهر أمامي جهاراً نهاراً، خصوصاً تلك القصص المثبتة التي تصلني من هنا وهناك،
وهذا يذهب بنا إلى السؤال المؤلم : هل نحن بلد أو مجتمع ينتج موهوبين أو عباقرة ؟! هل جامعاتنا قادرة على ذلك؟ أو على الأقل هل جامعاتنا قادرة على أن تنتج طلاباً يوازي مستواهم مستوى طلاب الدول الأخرى التي لم تصل لربع ميزانية التعليم في بلادنا، مع ملاحظة أنّ طلابنا عندما يتم ابتعاثهم إلى جامعات دول أخرى لا يمر شهر أو شهرين إلا ونقرأ عن أحدهم خبراً علمياً يدعو للفخر يثبت أن الخلل ليس بهم، يثبت أن التقصير لا يخص الطالب السعودي، بل يخص الجهات العلمية المسؤولة عن تعليمه.
دعونا نعترف بالحقيقة، التي تقول - للأسف - أن جامعاتنا - إذا استثنينا بعض كليات جامعة البترول والمعادن - هي جامعات لا تبتعد كثيراً عما تقدمه المدارس الثانوية، بل إنها تخرج طالباً لا يفقه شيئاً ينفعه بسوق العمل، ولا نبالغ إذا قلنا إنها تخرج طالباً لا يصلح لسوق العمل، وتضطر الجهات التي توظفه لتدريبه وتدريسه من جديد وكأنه لا يحمل شهادة جامعية، هذه مأساة الطالب العادي مع جامعاتنا، فما بالك عندما يكون الطالب عبقرياً أو مخترعاً أو موهوباً يملك من المستوى العلمي ما يفوق أقرانه وأساتذته، لا يعرف هذا الطالب أنه جر على نفسه نقمة وتعباً هو في غنى عنه، وما من صاحب اختراع أو موهبة إلا وكره العلم والتعلم والجد والاجتهاد، بعد أن يذوق الأمرّين ويحبط ويتعذب حتى يجد نفسه أمام حلين أحلاهم مر: إما أن يداهمه مرض نفسي أو بوادر اكتئاب مزمن، أو أن يركب الصعاب ويقرر الهجرة العلمية نحو ديار وبلدان وبشر يقدرون موهبته مهما كان حجمها صغيراً، ويهتمون باختراعه حتى وهم مقتنعون أنهم لا ينتفعون منه، جرب أن تصبح مخترعاً أو موهوباً في هذا البلد، لن تجد جهة تتولى عنك أتعاب ومشقة حماية اختراعك أو العمل عليه، الكل يحيط بك يريد سرقته إن كان يدر مالاً تجارياً، الكل يريد أن ينهب منك لا أن يعطيك، عدم وجود جهة علمية عليا تستقبل كل مخترع وكل موهوب وتحمي حقوقه جعلنا لازلنا نقبع في ذيل العالم الثالث، إذا أردت أن تكسب رأسك، ولا تكره هذا المجتمع، كن عادياً، اقفل مخك، وإن أردت أن تكره حياتك وتشعر بعدم الأمان والتخلف: كن ذا موهبة أو اختراع!