د. محمد عبدالله الخازم
مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يمثل نقطة تحول في إدارة التنمية بالمملكة، حيث يعتبر مجلس وزراء تنفيذي مصغر لكل ماله علاقة بالجوانب التنموية والاقتصادية. ونحن ننتظر من المجلس الموقر أن يخرج برؤية استراتيجية تطمئننا بإجابة بعض الأسئلة المشروعة، مثل؛ هل لدينا برنامج إصلاحي تنموي نسير عليه؟ ما هي مكونات البرنامج؟ ما هي أبرز حلقات القوة والضعف في هذا البرنامج؟ هذه أسئلة مشروعة نحتاجها لأجل تحليل مسيرتنا التنموية والتطويرية، إلى أين نحن سائرون؟ هل طغى جانب على آخر في العملية التنموية؟
المشروع التنموي يرتكز على ثلاثة عناصر رئيسة؛ عنصر الخدمات الاجتماعية، العنصر الاقتصادي، والعنصر الإداري. في ظني أن مشروعنا الإصلاحي في الفترة الحالية يعاني في أغلب هذه الجوانب كنتيجة طبيعية لتعقيدات التنمية وزيادة السكان وتغيرات الإدارة وغير ذلك من الظروف، التي يدركها المتابع. في جانب الخدمات نجد أن هناك تركيزاً على زيادة الطاقة الاستيعابية للقطاعات التعليمية والصحية و الشبابية والإجتماعية و النقل والإسكان وما له علاقة بالخدمات المقدمة للسكان ولها تأثير في تحقيق متطلباتهم وتحقيق الرفاه المرجو لهم. لقد غدت مدننا ورش عمل لمنشآت تلك القطاعات، وضخت الأموال بالمليارات في تطوير البنية التحتية ذات العلاقة بالخدمات العامة. المشكلة الأبرز هنا هي تعثر كثير من المشاريع، والفجوة بين الموعود والمنفذ. نتحدث عن الجانب الكمي، ونعتقد أن النوعي يجب أن يصاحبه أو يتبعه. إضافة إلى البناء ثم البناء- وما يعتريه من تعثر أو تقدم- هل هناك ملامح استراتيجية واضحة لإصلاح قطاعات الخدمات الاجتماعية أو الخدمية؟
في الجانب الاقتصادي ومع ارتفاع الدخل الوطني وحجم المشاريع التنموية الضخمة تدور عجلة الاقتصاد في شكلها الظاهر بشكل متميز، حيث تزداد نسب الاستثمار في الداخل ومحاولات استقطاب رؤوس الأموال، ونفتخر بالمشاريع الاقتصادية العملاقة. لكن الاقتصاد ليس مجرد بناء أو شراء وبيع، بل عصب الحياة المعاصرة ولابد أن تتبلور لدينا رؤية اوضح في مجال التخصيص والاستثمار ورفع الكفاءة وتقليص الهدر وتنويع المصادر وغير ذلك من معايير البنية الإقتصادية. دون نسيان إقتصاديات التنمية البشرية. نريد أن نتجاوز القلق حول تقلبات اسعار البترول ومستقبله وأن نتغلب على البطالة وإصلاح السوق وغير ذلك من الجوانب الاقتصادية...
المحور الرئيس الثالث، والمتمثل في الجانب الإداري، هو الأقل تطوراً في برنامج الإصلاح الذي نعيشه، فهناك مظاهر عديدة تعيق النمو في هذا الجانب، تتطلب بعض التدخلات الفعالة والحازمة، لأن المحور الإداري هو الأهم في قيادة بقية المحاور، فلا يكفي ضخ الأموال في ظل بروز مظاهر التضخم البيروقراطي وفي ظل مظاهر الضعف الواضح لدى القيادات التنفيذية في كثير من قطاعاتنا، وبالذات ذات العلاقة بمفاصل الحياة اليومية المختلفة. برنامج الإصلاح الإداري الذي ننشده يتطلب تفعيل الأدوار التشريعية والرقابية والتنفيذية وليس مجرد إصدار التعليمات، أو تطوير كل قطاع بشكل منعزل عن الأخر. نأمل أن يكون مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية هو المحرك الرئيس لتفعيل العمل التنفيذي والمساهمة في تطوير السياسات و التركيز على صنع قيادات تنفيذية متميزة ومتمكنة من القيام بأدوارها المنوطة بها.
أخيراً، وحتى يستطيع المجلس تحقيق ما نصبو إليه، فإنه بحاجة إلى مساندة من شقيقه مجلس الشؤون السياسية والأمنية، وبالذات في مجال الصياغة الفكرية والفلسفية لما نريد أن تكون عليه بلادنا في قادم الأيام، ولعل من إيجابيات المجلسين وجود أعضاء مشتركين في كلاهما، مما يسهل التكامل بينهما. سنحاول طرح رؤيتنا حول مجلس الشؤون الأمنية والسياسية في مقال آخر.