د. محمد عبدالله الخازم
وجَّه معالي وزير التعليم بافتتاح فصول تحفيظ القرآن بمدارس التعليم العام، ومن ناحية المبدأ لا اعتراض على ذلك. فتعلّم وحفظ القرآن يعتبره التربويون مهماً من الناحية الدينية واللغوية والتربوية. هو موجود في تعليمنا العام، لكن ربما بكم أو كيف ليس مرضياً للكثيرين. كملاحظة جانبية؛ كلمة تحفيظ القرآن لا تتسق والتعليم أو (التعولم) الحديث الذي أطلقت شعاره وزارة التعليم؛ كان يفترض القول فصول تعلّم القرآن أو تعلّم القرآن وحفظه! بغض النظر عن التفسيرات لذلك القرار، وهل هي مقدمة إدارية لإلغاء مميزات وخصوصيات مدارس وجمعيات تحفيظ القرآن، أم هي رؤية علمية لتعزيز حفظ القرآن، يهمني مناقشة الموضوع من زاوية أخرى تتعلّق بآلية تطوير التعليم العام بصفة عامة.
قبل ذلك تم التوجيه بافتتاح فصول للموهوبين، وربما يأتي توجيه آخر لفتح فصول إضافية للرياضيات والعلوم..وغيرها، فهل سنستمر على هذه الوتيرة كلما تحمسنا لموضوع وجهنا بإضافته لمناهج التعليم العام؟ هل هذه آلية علمية مناسبة للتطوير الجذري الذي نأمله تجاه نظامنا التعليمي؟
الإجابة سبق أن طرحتها وأعيدها باعتبار أننا نتحدث مع جيل جديد من الإداريين بنظامنا التعليمي، ربما لم يطلع على أطروحاتنا- أنا وغيري- السابقة في هذا الشأن. بعيداً عن المقدمات؛ أقترح على وزارة التعليم التوقف عن هذه التوجيهات بإضافة فصول ومواد ما بين فترة وأخرى، وبدلاً من ذلك وضع هيكل أكاديمي عام أساسي للتعليم العام يشمل الحد المقبول والمطلوب توفره بتعليمنا الأساسي كماً ونوعاً وأهداف كل مرحلة تعليمية أو حتى كل صف دراسي. وبعد ذلك يترك لكل مدرسة بالتنسيق مع لجان علمية بكل منطقة تعليمية من إضافة ما تراه من مواد يمنحها الخصوصية. هنا نضمن الحد الأدنى المطلوب تحققه في نظامنا التعليمي ونتيح ديناميكية التنوّع والإبداع الذي يمكن أن تتبناه وتضيفه المدارس والمنظومات التعليمية، حكومية كانت أو أهلية. بمعنى آخر يصبح للمدرسة إضافة مواد رياضة، أو موسيقى، أو قرآن، أو دراما، أو أدب، أو علوم، أو إبداع، أو حاسب آلي.. إلخ.
التطوير في تعليمنا الحالي يمر بمرحلة جمود كبرى لأننا نريد توجيه الجميع نحو مسار واحد وكتاب واحد وطريقة تعليم واحدة، ونتمنى أن تتجه وزارة التعليم إلى فك هذا الجمود بتغيير طريقة التغيير المكررة وتأسيس منهج علمي للتطوير حديث ومختلف. تطوير التعليم يعني رؤية فكرية وعلمية شاملة وليس مجرد إضافات هنا وهناك تخل بالبناء والهيكل الأساسي. لذلك نحن نحتاج - بطريقة علمية- مراجعة المناهج الحالية ووضع أهداف لكل مرحلة أو مستوى ومن ثم تحدد المتطلبات الأساسية التي يجب تبنيها من أي مدرسة سواء كانت حكومية أم أهلية، تحفيظ قرآن أم تعليم عام، معهد علمي أم غير ذلك. نريد أن يكون هناك حد من الأساسيات يتم الوفاء بها من قبل جميع مؤسساتنا التعليمية بغض النظر عن مرجعيتها ومسماها ونوعها، وبعد ذلك يتاح لمن أراد صنع الخصوصية التي يريدها عبر إضافة مواد أو مواضيع أو طرق تدريس محددة.
أتمنى أن أرى مدرسة متميزة في تحفيظ القرآن وثانية متميزة في الدراما والفنون وثالثة متميزة في الرياضة ورابعة متميزة في العلوم، وهكذا. أتمنى أن أرى التنوّع الذي يقود للتنافس والإبداع بين مدارسنا، مع تأكيد التزام الجميع بالمنهج العام. لا أريد أن أرى تحفيظ القرآن على حساب العلوم والرياضيات ولا العلوم والرياضيات على حساب الفنون والرياضة والدراما...
مهمة التعليم العام خلق شخصية متوازنة في كافة المجالات وفي تعلّم كافة المعارف. وفي عالم حر مهمة وزارة التعليم إتاحة الخيارات لي ولأولادي...