عبدالعزيز القاضي
في حب موقق
حبي لها ما هو على غيرها ذم
لكن بغيره صار حبه رجوحي
عبد العزيز الصقيري الشمري
هذا بيت من قصيدة يتغنى بها الشاعر بمدينته موقق إحدى محافظات منطقة حائل، والبيت متفاوت البناء فشطره الأول أسلس وأجمل صياغة من شطره الثاني الذي ظهر فيه (التعقيد) بالتقديم والتأخير، وبالحشو في حشر كلمة (صار) لإقامة الوزن، واستخدام صيغة المبالغة بمعنى اسم الفاعل في (رجوحي) اضطرارا. وتظهر ركاكة الصياغة التي أخفتها الموسيقى في الشطر جلية عندما نعيد نرتب كلماته حسب المعنى، إِذْ الترتيب كالتالي (لكن حبه صار رجوحي بغيره) أي: لكن حبها راجح بحب غيرها.
وفي الشطر الأول اكتملت الفكرة وتم المعنى وتقرر واضحا جليّاً جميلا وبصياغة حلوة متساوقة لا نُبوّ فيها ولا عسفا. وحين أقول إن كلمة (صار) ما هي إلا حشو وزيادة لم تضف جديدا للمعنى، فإني أرى أيضاً أن الشطر الذي تضمنها كله حشو وزيادة، لأن المعنى تم بدونه كما ذكرت، فهو إذن استطراد لإتمام البيت ليس إلا. ولم أختر البيت ليكون موضوع هذه السياحة من أجل بيان عيوبه ومحاسنه البنائية، فهذا ليس هو غاية هذه الزاوية وإن كان يرد فيها كثيرا، لكني اخترته لأنه يقرر حقيقة يعلمها الجميع ويصرف بعضهم عنها الهوى وسوء الظن، وهي أن مدح الأوطان لا يستلزم بالضرورة ذم غيرها، وليس كل عبارة تشرح المشاعر تجاهها تحتمل (التعريض) بغيرها على طريقة (إياك أعني واسمعي يا جارة).
حب الوطن شعور سامٍ صافٍ نقي من كل أوضار المشاعر العدائية والتفاخر المستفز والتحقير والتقليل من شأن الغير، إنه حب حقيقي تلقائي تتفتح أزهاره في رياض القلوب، وتستجيب له كل الحواس، حب يستمد أريجه وإشعاعه من منابع السمو والجمال، وليس من السمو ولا من الجمال إثارة الناس واستفزازهم. ولست أمل من كثرة الاستشهاد بقول المرحوم علي القري (ت 1415هـ) في بلده عنيزة:
دار نحبه حب بريام واحساس
وحب الوطن يرجح بحب القبيلة
وقول عبد الرزاق الهذيل في بلده القريات:
قالوا تحب وقلت أحب القريات
دار تمكن في ضميري غلاها
وكل الديار تمكن (غلاها) في ضمائر أهلها.. هذا هو الحب الحقيقي حيث تُشرح المشاعر، وتقدم فروض الإخلاص والولاء الصادق، بعيدا عن المفاخرات الفجة، والمنافسات الساذجة، والمقارنات الطفولية، والعاطفة التي تفوح في القصيدة التي يتغنى فيها الشاعر بمسقط رأسه، ومدارج طفولته، ومعاهد صباه، هي من أصدق وأنبل العواطف، لأنّها (بكل بساطة) تعبر عن فطرة في الشعور وصدق في الإحساس.
والوطن كلمة تشمل المدينة والدولة، ولا يفصل بينهما إلا جاهل أو متجاهل، والتعبير عن (حب الجزء) يستلزم بالضرورة (حب الكل) إلا عند شاذ، والشاذ حسب قواعد المنطق لا حكم له. وأختم بهذه الأبيات من القصيدة التي اخترت منها بيت السياحة، يقول عبد العزيز الصقيري الشمري عن موقق:
أحبها حبٍّ عليه اللحم صم
حتى يحطون الجسد بالضروحي
أنا بحبه ناشف الراس مغرم
وغلاه غطى فوق عالي طموحي
غلاه فوق العد والكيف والكم
ما ينقرا رقمه طويل فضوحي
إنها قصيدة وجدانية جميلة لولا العسف في بعض كلمات قافية الشطر الثاني الذي جر معه شيئا من التكلف في المعاني!