عبدالحفيظ الشمري
«د. عيد اليحيى» أديب ومؤرخ ومتخصص في شأن التراث العربي، وهو معد ومقدم برنامج «على خطى العرب» الذي عُني بتراث الشعر العربي، لا سيما استقصاؤه الواعي لسيرة شعراء المعلقات، والوقوف على المكان؛ بغية أن يرسم للمشاهد في هذا الزمن العصري أن وطننا العزيز يرث الكثير من المفاخر العربية، والماضي العريق، لعلنا نجابه به الجهلة، ومن يختصرون سيرة وطننا وأهلنا بأنها ظمأ وجوع، ومن ثم نفط وطفرة.. أبداً فهاهو عيد اليحيى يُشْعِلُ قناديل الحكاية الشيقة لا سيما في ليالي رمضان المبارك، لنستقصي معه الزمان والمكان في رحلة الشعر العربي، وأصحاب المعلقات الشعرية التي قيل عنها سبع، وفي رواية أنها عشر معلقات، وغيرهم من شعراء مميزين في عيون الشعر العربي الذي لا يزال نابضاً بالحياة والجمال، وشيم العرب، ومكارم الأخلاق.
فاليحيى ومن خلال برنامجه في الجزء الأول حينما كان أسبوعياً، أو الثاني عندما أطل في رمضان بشكل يومي.. ظل يؤكد لنا وبجهد مميز أن العمل التلفزيوني سواء كان وثائقياً أو تمثيلياً أو درامياً، فإنه حينما يتكئ على التراث فلن يخذله أبداً، ولم تخذلنا أيضاً إضاءته المفيدة، وجولاته الشاقة والمُرْهِقَةِ، للوقف على تفاصيل المكان والزمان في المعلقات، وعيون الشعر.
وحينما وسم «د.عيد اليحيى» برنامجه بعنوان «على خطى العرب» جاء هذا العنوان جاذبا ومتعمقا، واستطاع أن ينفذ إلى ذاكرة المتلقي أو المشاهد بشكل متقن، لا سيما حينما تمتزج القصة الطريفة بالشعر العميق، لِتُكَوِّنَ هذه الرؤى والإنثيالات مشاهد جمالية آسرة. وليت البرامج الأخرى تحذو حذوه.. فقد قارب لنا الشعر العربي، دون أن يقلل من قوته، أو يتبسط فيه، إنما قام مشكوراً برفع الذائقة إليه، ليكون المشاهد في كل ليلة من ليالي رمضان على موعد مع سيرة العرب، في سَفَرٍ حميمي عبر محطات الحياة، وشواهد التاريخ المعبأ بالأصالة والقيم.
ومن إيجابيات هذا البرنامج أنه لم يتم التهليل لخروجه، أو التطبيل له، على عكس بعض البرامج التي فرضت فرضا رغم أنه لا أهداف لها،.. أما «عيد» وخطاه العربية الرصينة فإنه نفذ إلى المشاهد دون مقدمات.. بل راهن بوعي وتمكن على ضمير الأمة وتاريخها وأدبها وشعرها الذي يعد ذاكرة كونية فذة، لينجح في تقديم هذه التجربة الفريدة بأسلوب شيق.
أجمل ما في برنامج «على خطى العرب» أن أجندة «د.عيد اليحيى» واضحة، في زمن الأجندات الغامضة.. فلا لبس في رسالته، أو مواراة، فهي تنحاز إلى تراثنا الشعري العربي الجميل والأصيل، وما يحمله من مضامين عميقة، وحكايات رائعة، بعكس بعض برامج التيه، والتهيؤات، وما تفرزه قضايا الناس، ومرافعاتهم وتحاكماتهم، ومشاكلهم التي من الواجب أن يتم فيها الستر القويم، لا الكشف عنها والتشهير بأهلها.
وكنا قد أشرنا في رؤية سابقة في هذه الزاوية إلى أنه يجدر بنا أن نضع تقييما لما شاهدناه في ليالي رمضان؛ من برامج وأعمال درامية وحوارية، فإننا وإحقاقاً للحق نشعر بأن الكثير منها دون الطموح، إلا أننا نستثني في هذا السياق برنامج على «خطى العرب».. فقد كان بحق رؤية جمالية عن شعر المعلقات، وفحولها، وقصص أهلها، وحكاياتهم الخالدة.. تلك التي تنز أصالة، وفصاحة معبأة بالحكمة.