سهام القحطاني
من المؤثر في الآخرين أنت أم خطابك؟.. يقول آخر أنا هو خطابي، وهنا أجدني أطرح سؤالاً آخر هل نحن ممثلون لِما ننتجه من خطابات أو على الأقل هل هكذا يعتقد المتلقي؟.
لكن عليّ أن أوضح هنا صفة الخطاب الذي أقصده هو «الخطاب المؤثر في الآخرين»؛ أيّ الخطاب المتحكم في الذهنية المُنتج لردة فعل فكرية أو سلوكية،
وهو ما بقودنا إلى معرفة «قواعد التأثير». وهناك مصدران لتلك القواعد؛ المصدر الأول يتعلّق بمنتِج المباشر للخطاب، وهو حديث هذا الجزء من الموضوع لتمثيله سلطة جاذبية المتشابهات والمصدر الثاني يتعلق بذات الخطاب.
أما فيما يتعلق بالمصدر الأول تأثير المُنتِج فيمكن تقسيمه إلى مستويين؛ المستوى الأول يختص بالمُنتج المباشر للخطاب، والمستوى الثاني يتعلق بالمرجع المسنود عليه المُنتِج الأول للخطاب ولذلك المرجع بدوره مراتب، وكلما كان مرجع التسنيد محظِياً بوجدانية جماهيرية زاد تأثير المُنتج المباشر في الآخرين؛ لأننا غالباً نؤمن» بأن الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف» وهو ما قد يفتح المجال لممارسة احتيال عبر المتاجرة بفكرة التسنيد تلك.
إن الذهنية الجمعية محاطة بسير شخصيات لها تأثير متفوق خاص وثابت على تلك الذهنية يكاد ذلك التأثير يصل لمرتبة القدسية، وهذا التأثير المتفوق لتلك الشخصيات جعلها بالنسبة للذهنية الجمعية ممثلة لمنظومة مقاييس الصحة والتمام والصلاح والتقوى والنزاهة والثقة، مما يجعلنا هنا نقف وجها لوجه أمام خصائص «الولاية الدينية»، لكن قبل الدخول في تفاصيل تلك الولاية وكيف ربّت من خلالها سلطة التأثير على الذهنية الجمعية، -والذي سيُخصص لها جزء من هذا الموضوع- أريد أن أطرح بصورة موجزة لقيمة قانون ثنائية ظلال التجاور والاقتران التي يستفيد منها المُنتِج المباشر للخطاب.
إن تأييدك بالتبعية سواء بالنشر أو التدويل أو التبشير لفكرة مرتبطة بإسناد تأييديّ لمن يحظى بتأثير متفوق في الذهنية الجمعية يعني تحولك وفق ذلك الارتباط الإسنادي إلى معادل لأصل الإسناد. وهذا الأمر يُنتج بدوره وحدة الكلية بالاتحاد بين المنتِج المباشر للخطاب ومصدر فاعل الإسناد، وكلما تعمق منتِج الخطاب في ثنايا كلية الاتحاد اقترب من واقعية فاعل الإسناد، تلك الواقعية التي تزيد من ثقة الذهنية الجمعية لمُنتِج الخطاب.
وهو ما يتّم إدراكه من قِبل الذهنية الجمعية وهذا الإدراك الجمعي عادة ما يُعبر عنه من خلال ترقية السمو للمُنتِج المباشر للخطاب للانضمام إلى قائمة أصول فواعل الإسناد، ولذلك قلت إن تسنيد المنتِج المباشر للخطاب على أصل من أصول التأثير المتفوق في الذهنية الجمعية يحوله إلى معادل لأصل الإسناد.
وهذا الأمر أقصد المسار الذي تنتهجه الذهنية الجمعية في توثيق ثقتها المتفوقة للمُنتِج المباشر للخطاب ورفعه بالمجاورة والاقتران لمنزلة أصل الإسناد. هو مسار يتوافق مع حالات مسطرة التقويم و التقييم. فكيف يتم قياس التقويم والتقييم بالنسبة للذهنية الجمعية،؟ مع الأخذ بالاعتبار إن الذهن الفردي يختلف في كيفية حساب إتمام قياس تقويمه وتقييمه للأشياء، والاختلاف هنا بالإضافة لا بالقطع.
يعتمد الإدراك الإنساني في تقويمه للأشياء وتقييمها على عدة أربعة قوانين وهي: قانون الثنائية والمقارنة، قانون النمذجة والتفاضل، قانون التبادل والتعويض، قانون المجاورة والاقتران، لكني سأخص قانون المجاورة والاقتران بالحديث الآتي؛ لأنه مرتبط بمقام الفكرة هاهنا يعتمد قانون المجاورة والاقتران، أو «جاذبية المتشابهات» على تكرار ذات النتيجة أو أحادية النتيجة التي تمثل روح قيمة التقويم والتقييم، وعيب هذا القانون أنه لا يُشجع على «الإضافة»، إنما يدعم «التوسيع»، وعلينا أن نفرق بين «الإضافة و التوسيع»؛ وأهمية التوسيع هنا أنه يوفر برهان صلاحية ثبات أفكار أصول الأسانيد، ويتم التوسيع من خلال جذب المتشابهات الفكرية المتطابقة مع المدونة الفكرية لأصول الأسانيد، أما ما الذي يُغري الجاذب للمشاركة في توسيع دائرة المتشابهات تلك؟، الإجابة ببساطة هي «بريق المكافأة» التي سيحصل عليها للمشاركة في ذلك التوسيع وهي «مكافأة سلطة قيادة الذهنية الجمعية».
أما الإضافة فهي قائمة على إعادة تدوير مقاييس قانون المجاورة والاقتران، وإعادة التدوير ستقتضي بطبيعة الحال ظهور نتيجة مُغايرة وهو ما سوف يُفقد النتيجة أحاديتها، تلك الحادية الممِثلة لحصانة النتيجة وولايتها السلطوية. كما أن رفع الحصانة عن النتيجة من خلال التشكيك في سلطة أحاديتها فيه اضطراب لمنزلة أصل الإسناد وهو اضطراب قد يقود إلى فوضى منظومة مقاييس الصحة والتمام والصلاح والتقوى والنزاهة والثقة، والتشكيك في «حقيقة الولاية»، ولذا لا نندهش وفق الآثار الجانبية الخطيرة لإعادة تدوير مقاييس المجاورة والاقتران أن تقود فكرة إعادة التدوير صراعاً بين الذهنية الجمعية والدعاة إلى إعادة التدوير.
وهذا القانون يوفر وسيلة سهلة وسريعة للتأثير لأنه يعتمد على تحفيز حماسة ذاكرة النمذجة الجاهزة أو ذاكرة النماذج النمطية، وبذلك يمكن جذب تأثير الذهنية الجمعية عبر خطابك من خلال تمجيد لنموذج أو نمط من تلك النماذج أو الأنماط التي تحتل بقدسيتها ذاكرة الذهنية الجمعية.
أما كيف يحقق المنتج المباشر للخطاب سلطة تأثيرية على الذهنية الجمعية بعد تحقيقه جاذبية التأثير، فالأمر يحتاج إلى تدرج ذلك المُنتج عبر خمس رتب، رتبة القبول، رتبة الرضا، رتبة التدليل والبرهنة، رتبة الثقة، ورتبة التسكين بالمجاورة.
والقبول يتم من خلال مصدر من المصدرين: أن يحظى منتج الخطاب بسيرة ذاتية نظيفة أو بيضاء غير ملوثة بتسويق مهدِدات لسلمية الذهنية الجمعية، أو يحظى بتذكرة تزكية من قِبل مصدر ثقة تؤمن به الذهنية الجمعية. والمرتبة الثانية هي مرتبة الرضا، وهي تعتمد على «مواقف منتِج الخطاب» وتلك المواقف تنقسم إلى قسمين؛ مواقف مؤكِدة لمواقف الذهنية الجمعية، ومواقف مدافعة وحماية لمواقف الذهنية الجمعية، وهذا النوع من المواقف هو الذي يقدم لتلك الذهنية برهان تقليدية منتج الخطاب لجذور مواقف قوالب النمذجة والقدرة على إحيائيتها.
وهذا البرهان هو الذي يقود الذهنية الجمعية إلى المرتبة الرابعة وهي مرتبة الثقة، حيث يتم تصديق المواقف المنتجة من قبل صاحب الخطاب دون تمريرها على مسطر قياس النمذجة الجاهزة داخل ذاكرة تلك الذهنية، لأنها تثق في التزام منتج الخطاب بالتمسك في تكرار إحيائية أصول تلك النمذجة.
وتلك الثقة بالتصديق تقود إلى أعلى مرتبة وهي مرتبة التسكين بالتجاور أو جاذبية المتشابهات، وفيها تصدر الذهنية الجمعية حكم مجاورة منِتج الخطاب لأصل السند عبر آلية «المُعادِل»، وهكذا يتم توسيع الذهنية الجمعية المُوسِسة على النمذجة الإحيائية من خلال مجموع المعادلات المجاورة لأصول الأسانيد. ووصول مُنتِج الخطاب إلى هذه المرتبة يعني أنه حقق «سلطة التأثير و التحم في الذهنية الجمعية».. والمعرفة الإجرائية للوصول إلى مرتبة التسكين بالتجاور قد يفتح المجال لحيلة «صناعة جاذبية المتشابهات» وهذا حديث آخر.