علي عبدالله المفضي
مرّ قرون على الشعر قبل أن يتخلص من الحشو الذي يوحي بكثرة الأبيات على فحولة الشاعر وتمكنه وقدرته على تجاوز المائة بيت أو تزيد ولو نظرت إلى القصيدة أو الشعر الحقيقي فيها لوجدته متناثراً في أبيات قد لا تتجاوز العشرة، وقد تطرقت لهذا الجانب من قبل وما أريد الوصول إليه أن القصيدة القديمة قد بدأت بالعودة إلى بعض مواصفاتها القديمة كالإسهاب من خلال قصائد السيارات، إذ نجد أن شعراء هذا الاتجاه يلبّسون سياراتهم صفات لا يبلغها البشر أحياناً، والمديح الجميل عادة يتحدث عن صفات الممدوح النادرة من المروءة والكرم والشجاعة والوفاء.
والغريب أن كتّاب هذا النوع من الشعر ينسون أو يتناسون أن السيارة الممدوحة تنطبق صفاتها على كل سيارة من ذلك الموديل الممدوح إذا لا فضل لواحدة على الأخرى، بعكس الناس الذين تتفاوت صفاتهم وطباعهم وأخلاقهم مما يدعو إلى امتداح أحد دون أحد بقدر تميزه، ولك أن تتصوّر المادح وهو يفصل ما تتميز به سيارته أو ما يحلم به من السيارات ومستمع الشعر عليه أن يقبل بتلك المطولات المملة والغرض من هذه الإطالة الوصول إلى رجل يريد أن يستحثه على القيام بمهمة أو شفاعة وقد مُدحت وسيلة الوصول إليه أكثر منه.
وقد كان هذا النهج سائداً حين كان الوقت من السعة والوفرة أن يستزيد المستمع شاعره ليقضيا على الوقت الذي كان (يمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحلُ)، لانعدام وسائل تزجية الوقت إلا بقصة طويلة يستدل عليها بقصيدة أطول.