أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
إنَّ أي إنسان في هذا الوطن المعطاء، وطن الخير والنماء، بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومتطلعهم، المملكة العربية السعودية، يجب أن يعرف مكانته ومنزلته، وأنه منتسبٌ إلى خير البلدان، كيف لا وهو البلد الذي يقوم على الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة.
وإنَّ التفجير الذي نُفذ في جامع الإمام علي بن أبي طالب وجامع العنود وبالأمس في مسجد قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير عمل إجرامي خبيث مشين، موغل في الحقد والغل والكراهية والتطرف والإرهاب، وإن كل من لديه عقل أو لبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد لابد أن يجرم هذا العمل لأنه عمل إرهابي شنيع لم ير مثله عبر التاريخ، وأن ما قام به هؤلاء المنحرفون قادهم للوقوع في الإثم العظيم، بل قد يكون طريقاً لهم إلى نار جهنم والعياذ بالله.
وأنه يجب علينا من أجل القضاء على هذه الأفكار الشريرة وهذه التوجهات والتنظيمات الحزبية البغيظة المعدية، والمؤثرات العقلية والنفسية والعقدية أن نعمل بإخلاص وجد ونبذل الغالي والنفيس، للمحافظة على العقيدة الصحيحة والوطن بأكمله، أمنه وأمنه وإيمانه واستقراره وأبنائه ومقدراته ومقدساته ومكتسباته ومبادئه وثوابته. وهذا العمل لا يمكن أن يوجد مصادفة أو في يوم وليلة، فلابد له من رجال صادقين ومخلصين يعرفون كيف يتعاملون مع هذه الجماعات والأحزاب بأفكارها ومخططاتها وأهدافها وأساليبها ومناهجها الشيطانية البراقة الخداعة، ليعالجوها علاجاً شرعياً عقدياً فكرياً اجتماعياً وطنياً نهائياً، يكون درساً لمن هو موجود في هذا الوقت، وعبرة قوية واضحة للأجيال القادمة.
وأن هناك خطوات معروفة وواضحة للقضاء على الإرهاب والفكر المتطرف الذي يغرر الشباب ويوقعهم بالفجور والشرور ويحسن لهم القبيح ويقبح لهم الحسن ويدس لهم السم في العسل فيجعل مفاهيمهم تنتكس وفطرهم تشوه وعقولهم تضيع وأفكارهم تتدنس، فتنقلب لديهم الحقائق ويسهل عليهم تصديق كل ما يروج له أرباب الفتنة ودعاة السوء الواقفون على أبواب جهنم والذين من أجابهم قذفوه فيها، وها هم يحققون ذلك ويرسخون في أذهان من جعلوا أنفسهم أدوات لهم يستخدمونها ويستغلونها كيف شاءوا، وحطباً يوقدون فيها نارهم ولظاهم ظلماً وبهتاناً وزوراً، فيجعلون طريق النار هو طريق الجنة والعكس صحيح، ويعطونهم بذلك الوعود والصكوك ويبشرونهم بالجنة والحور العين. وإن أول وأقوى وأبلغ خطوة ونقطة ينطلق منها لمعالجة ذلك ومواجهته هو ترسيخ العقيدة الصحيحة التي جاءت واضحة وجلية، وفهمها علماء الأئمة كافة، والتي تعد صمام الأمان وطريق النجاة ومنهج السعادة والفلاح والطمأنينة في الدين والدنيا والآخرة، وذلك عبر كل الوسائل والمؤسسات المتاحة، صغيرة كانت أو كبيرة.
وذلك عن طريق المحاضرات والندوات والمؤتمرات، وجميع وسائل الإعلام وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي التي ما زال دورها وأثرها المؤسساتي الإيجابي ضعيفاً جداً في مقابلة استغلالها وتأثيرها السلبي الكبير الذي يستغله ويستثمره الأعداء من الداخل والخارج، ويستقطبون من خلاله حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام. ولا ننسى الدور شبه المفقود من بعض الأسر في قيامها بواجبها تجاه أبنائها وبناتها حتى لا تتخطفهم أيدي الغدر والخيانة والانحراف الفكري والسلوكي والإجرام والتطرف في غفلة من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات، وبالتالي لا ينفع البكاء ولا الندم، وواجب الأسرة تكمله محاضن التعليم والتربية والتوجيه والدعوة والإرشاد، وذلك بالدروس والمحاضرات والخطب الموجهة والمبنية على أسس شرعية وسطية معتدلة، وأن يكون هناك مكاشفة ووضوح في الطرح والمعالجة، ومواجهة كل من قام بهذه الأعمال أو دعمها أو تعاطف معها، وأن يحاسب بحزم وقوة وصرامة عن طريق الجهات القضائية والشرعية. ولا يمكن أن يزول هذا الشر إلا إذا تحققت هذه المطالب، وهي لن تتحقق إلا إذا قام بها الرجال الأوفياء الصادقون المخلصون الذين عُرف عنهم حسن الولاء للدين والوطن وولاة الأمر وسلامة التوجه ونقاوة الفكر وصفاء العقيدة.
إن هذه الجماعات والأحزاب نار محرقة، وأطوقة نارية تلتف على رقاب من ينتمي إليها، فلا يستطيع أن ينفك عنها، لأن ولاءه وبراءه لها وعليها، وزلازل وبراكين تؤجج من ينضم وينتمي إليها، حتى يفجر نفسه من أجلها. وهذه التنظيمات والاتجاهات والجماعات والأحزاب ليست لها مقصد إصلاحي ولا هدف ديني شرعي، إنما أهدافها ومطامعها دنيوية سياسية، وقد رأينا ذلك من خلال استغلالها ما يسمى بالربيع العربي، (الشر العربي) وتفعيلها الثورات والاعتصامات والمظاهرات للوصول إلى ما تريده، ولكن الله عز وجل بفضله ومنه وكرمه، كشف حالهم وبين عورهم وزيفهم ومطامعهم وأهدافهم، وأزاحهم عن طريق المسلمين.
وأن كثيراً من بلاد المسلمين تئن تحت وطأة هذه الجماعات والأحزاب البغيضة، بل إن بعضها ما يسمى بحزب الله وهو في واقع الأمر حزب اللات والشيطان، والآخر ما يسمى بأنصار الله وهم أنصار إبليس، نراهم يستحلون الدماء ويقتلون الأبرياء ويضطهدون الناس، ويقضون على كل خير وفضل بينهم، وما يحدث في بعض الدول العربية وخصوصاً في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، أكبر شاهد وأعظم برهان.
على ذلك وقد ألفت كتاباً لكشف أباطيل هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم ويقومون بالعمليات الانتحارية، ويرجون من ورائها الجنة، وحشدت فيه كل النصوص والأقوال التي تبين بطلان مزاعمهم ودعاواهم بالدليل القاطع والبرهان والتعليل والنظر الصحيح، وننصح أن يقرأه كل طالب علم ومتعلم ليحذر هؤلاء الدعاة الواقفين على أبوب جهنم، وخصوصاً أن هذا الكتاب مقرر ومقدم من معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء - حفظه الله - وعنوانه (التنبيهات السنية في حكم وخطورة ما يسمى بالأعمال والعمليات الجهادية).
ومن خلال هذا المقال نشيد وبقوة وافتخار ببرنامج المناصحة، وأنه برنامج مهم، ومفيد جداً وتجربة المملكة فيه تجربة ناجحة بكل المقاييس. ومن المعلوم أن الذي بنى هذا البرنامج وأسسه ودعمه هو سمو الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله -، وأكمل مشواره بكل نجاح ولي للعهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز - حفظه الله. وقد شاركت في هذا البرنامج لسنوات عديدة، وكانت مشاركة مهمة واستفدت منها كثيراً، وقابلت الكثير من المناصحين، ورأيت اختلافاً كبيراً في المفاهيم والعقول والتفكير.
وإن حادثة تفجير مسجد قوة الطوارئ في عسير التي وقعت ظهر أمس عمل منكر وغادر لفئة باغية لم تراعِ أي حرمة.
يقول الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أخذتهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
وهي تدل دلالة قوية على أن خوارج هذا العصر أشد خطرًا وفتكاً وإجراماً وانحرافاً من الخوارج السابقين، وإنه من المتعين بل الضروري الوقوف جنبًا إلى جنب مع ولاة أمرنا والأجهزة الأمنية للحفاظ على الأمن والأمان والاستقرار الذي نتفيأ ظلاله صباح مساء وفي كل شبر من هذه الأراضي المباركة والتصدي لهؤلاء المجرمين الذين تجردوا من الإنسانية والدين.
إن هذه الأعمال الإجرامية لن تزيد أبناء المملكة إلا تكاتفًا وتعاونًا للقضاء على هؤلاء البغاة المارقين الذين أفسدوا في الأرض واستباحوا الدماء المعصومة، وحاولوا نشر الفوضى والصراع واستهداف رجال الأمن الذين هم ركيزة الأمن وحماة الوطن، بعد الله سبحانه.
كما يجب على كل مسلم أن يقف جنبًا إلى جنب مع أبناء المملكة العربية السعودية قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومتطلعهم وبلاد الحرمين الشريفين وولاة أمرها للدفاع عنها وشعبها وأمنها ضد فئات الضلال والإجرام، وأن نحذر جميعاً من ترويج الشائعات التي تفكك الأمة وتزرع فيها الوهن والفتنة وتخلخل وحدتها ولحمتها.
وإنني أرفع أصدق العزاء والمواساة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - ولسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، ولسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولذوي الشهداء، سائلاً الله تعالى أن يغفر للشهداء وأن يكتبهم في عليين، وأن يشفي المصابين ويمن عليهم بالشفاء العاجل، كما أسأل الله أن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كل سوء ومكروه إنه سميع مجيب..