أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
فمن قاتل من أجل إبقاء الإسلام الذي هو دين وطنه صار مجاهداً في سبيل الله عز وجل. ودليل ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الرجل يقاتل حميّة، ويقاتل شجاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: «منْ قاتلَ لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله -صلى الله عليه وسلم- «أهـ وقال سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان كما في شرح مختصر صحيح مسلم بتاريخ 10-6-1436هـ: نسأل الله جل وعلا بأسمائه وصفاته أن ينصر ولي أمرنا سلمان بن عبدالعزيز، وأن يوفقه في كل أموره لما يُحبه جل وعلا ويرضاه، وأن يمنحه البصيرة في حياته كلها، وأن يُعنيه على كل خير، وأن يصدَّه بمنه وكرمه عن كل شر، وأن يجعل عاقبة ما عزم عليه من هذه العاصفة الحزمية أن يُحقق الله بها انتصار الحق وعلو شأنه وإذلال الباطل وانطفاء ناره، وأن يعود الخير علينا وعلى المسلمين في كل مكان، فحقه علينا أن ندعو له بالتوفيق والتسديد، ولا نشك أبداً في أن من يُقاتل الرافضة من أهل السنة -لإبعادهم وإبعاد نفوذهم- على الحق لاشك؛ لأن الرافضة دينهم الذي يتبجحون به أنهم يلعنون أبا بكر وعمر وعثمان لعناً صريحاً، ويكذبون القرآن.أهـ
وقد أيد علماؤنا المعاصرون الأحياء عاصفة الحزم كسماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ومعالي الشيخ العلامة أ. د. صالح الفوزان وغيرهما.
ثم إن على وسائل الإعلام واجب عظيم في توجيه الناس وتثقيفهم ونقل فتاوى العلماء الراسخين الربانيين في عاصفة الحزم وكل ما هو خير، فوسائل الإعلام بمختلف أنواعها وتنوع تخصصاتها سواء ما يسمى بالإعلام التقليدي المرئي أو المسموع أو المقروء أو ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي (الإعلام الجديد) لها أثر كبير ودور بارز في توجيه الناس وبيان الحقائق لهم وتعريفهم بما يجب عليهم في مثل هذه المواقف والأزمات ولذلك فإن الواجب على كل عالم أو طالب علم أو باحث أو داعية أو إمام أو خطيب أو أستاذ أو مدرس أو غيرهم ممن يكتبون أو يقولون أو يحررون أو يغردون أو يؤدون أي عمل إعلامي عبر هذه الوسائل أن يتقوا الله عز وجل ويعلموا أن مثل هذه الأمور لا تقبل المزايدة والنقاش وليست مكانا للأخذ والرد والقيل والقال والانتحال والإبطال والتأويل والشبه والشهوة والتشفي بل هي مواقف وأمور لابد من خلالها أن نطرح ما يعزز الموقف ويبصر الناس ويثبتهم ويرسيهم ويطمئن نفوسهم، ويقوي الصلة بين المجتمع وولاة الأمر وبين الشعب المسلم الواحد، والحذر كل الحذر في استعمالها فيما يغذي الشر ويورث الفساد والاختلاف والشقاق والنزاع، أو يفعِّل هذه الأمور تفعيلاً سلبياً لتحقيق أهداف ومآرب غربية أو شرقية أو طائفية أو اتجاهية أو حزبية أو انتماء إلى تنظيمات أو جماعات كما هو الحاصل والواقع في بعض وسائل الإعلام التي استحدثت من أجل أن تصب جام غضبها وجميع شرورها وحقدها وكرهها على بلاد التوحيد والبلاد العربية والإسلامية لتفرق الجمع وتخالف بين الصفوف وتجعل الإنسان يقف حيرانا لا يعرف ما هو الحق من الباطل. لكن لنعلم جميعاً أن الحق أبلج والباطل لجلج، الحق هو مع ما قامت به المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وأتلف وتوحد وتآلف وتحالف معها الدول الخليجية والعربية والإسلامية بل وكثير من الدول العالمية أيدتها وساندتها في ذلك فهل بعد هذا التآلف وهذا التوجه الموحد من قول لقائل؟ أو مزايدة لمزايد؟ أو إراجف لمرجف؟ فأننا إذا لم نفقه ذلك وندركه ونعلمه علم اليقين فإن أهل الفساد والشهوة والشبهة والتأويل سيؤولون وسيقولون وسيفترون وسيغتابون ويغشون ويذمون ويحاولون أن يوجدوا كل ما من شأنه النيل من قوتنا ووحدتنا الوطنية وألفتنا مع ولاة أمرنا وعلمائنا وكل من يعيش على هذه الأرض الطاهرة المباركة المملكة العربية السعدية من مواطنين ومقيمين.
إن وسائل الإعلام وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي يجب على القائمين عليها سواء أكانت رسمية أو غير رسمية جماعية أو فردية أن توجه عملها وكل ما تمتلكه من قدرات وخبرات وإمكانيات وكفايات إلى الدعوة من أجل الوقوف مع هذه القيادة الكريمة وعدم التهاون أو التساهل في ذلك من أجل أي أمر من الأمور صغيراً كان أو كبيراً دقيقاً أو جليلاً، بل عليها أن تفضح تلك الوسائل التي قامت من أجل التشويش والتشويه والإساءة من الشرق أو من الغرب من الدولة الصفوية أو من غيرها ممن ينتسب أو ينتمي إلى هذه الأحزاب وهذه الطائفيات والجماعات والتنظيمات الإرهابية التي رأينا آثارها السيئة المدمرة الدموية بما يسمى بالربيع العربي أو في جمهورية اليمن الشقيقة التي تئن تحت وطأة هذا المد الصفوي الرافضي الحوثي وقبله تحت الظلم والجبروت ممن قادها في ذلك الوقت وهاهي اليوم تستنجد بأهل الخير وتستغيث بأهل الوفاء وتستعين بأهل الكرم والعزة والنخوة والشهامة أبناء المملكة العربية السعودية لطرد هؤلاء وإقصائهم وإرغامهم على أن يأتوا بطريق سليم ومنهج واضح عبر الحوار ليختار الشعب اليمني من يراه لقيادته وقد اختار ذلك الشعب من يثق به ويرضاه، وعليهم أن يرعوا ذلك وأن يعرفوه وأن يدركوا أن المملكة العربية السعودية دولة قوية في إيمانها وعقيدتها وإخلاصها وقيامها على هذه الثوابت العظيمة التي أسسها عليها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- وسار على نهجه ودربه أبناؤه البررة الميامين إلى هذا العهد الزاهر العهد الكريم المبارك عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ونصره وأعزه-.
ثم إن على المسلمين أن يلجأوا إلى الله بالدعاء ويدعوه تضرعاً وخيفة بالنصر والتوفيق والتأييد لعاصفة الحزم، فالدعاء هو العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن سار على نهجه يتضرعون إليه بالدعاء في كافة الأزمنة والأوقات وقال صلى الله عليه وسلم في حديث حسن أخرجه الدارمي: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من يبخل بالسلام»، ولذلك فإن الدعاء بما ورد له أهمية كبيرة ومنزلة عظيمة في هذا الدين بقسميه دعاء المسألة ودعاء العبادة، وما له من آثار عجيبة على القلوب والنفوس وحفظ الأمم والأوطان وتحقيق الآمال وتفريج الكربات والنصر والعز والتكمين، فيجب علينا أن نتخذه سلاحاً قوياً وهو كذلك فسهام الليل لا تخطئ فندعو الله سبحانه وتعالى في صلواتنا المفروضة، وفي صلاة النافلة وفي صلاة التهجد وفي الخطب وفي غيرها من العبادات والشعائر التي شرعها الله لنا، بل إن الدعاء يتوافر ويحصل ويتقرر في كل وقت وزمان يذكر فيه الإنسان ربه، ويتأكد الدعاء في مثل هذه الأوقات والأزمنة والأحوال التي نحن أحوج ما نكون إليه فيها فندعو لأنفسنا ولولاة أمرنا ولعلمائنا ولأبناء وطننا ولرجال أمننا المرابطين في داخل بلادنا وعلى الحدود، أولئك المحتسبين ندعو لهم بالثبات والتوفيق والنصر والطمأنينة وأن يرزقهم الله عز وجل كل ما يعينهم على تحقيق الهدف والغاية النبيلة التي ذهبوا من أجلها ونلح على الله في الدعاء بذلك ونكرره، ونركز على ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما جاء عن سلف هذه الأمة وعلمائها؛ لأننا إذا فعلنا ذلك سنكون بإذن الله من المتعاونين على البر والتقوى والخير والفضل وسنكون مشاركين لأولئك الجنود البواسل والرجال الأوفياء الصادقين المخلصين الذين بذلوا أنفسهم وأرواحهم من أجل الدفاع عن دينهم وعقيدتهم وبلادهم قبلة المسلمين وبلاد الحرمين الشريفين ومهوى أفئدة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ومتطلعهم والمعينة لهم والناصرة لقضاياهم فوق كل أرض وتحت كل سماء، فما لنا لا ندعو لأولئك؟.. وما لنا لا نخصص أوقاتاً معينة للدعاء لهم؟.. وخصوصاً في أوقات القبول والإجابة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فيدعو المسلم لهؤلاء المجاهدين الأفذاذ الذين ذهبوا من أجل حماية أمننا وأماننا وطمأنينتنا واستقرارنا، رابطوا في تلك الثغور ليدفعوا الأشرار ويوقفوهم عند حدهم فإذا لم ندعُ لهم ونشركهم في دعائنا لأنفسنا فلم ندعُ له إذا؟!.
إن ما نحن فيه في هذه البلاد من الخير والطمأنينة والأمن والأمان والاستقرار لم يأت من فراغ وإنما جاء بسبب تحقيق التوحيد الخالص لله رب العالمين، وقد اتفق الرُّسل -عليهم الصَّلاة والسَّلام- في الدّعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، وإن اختلفوا في الشرائع والأحكام، ولذلك قال الله جلّ وعلا: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13]، وقال جلّ وعلا في آخِر سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، والرَّسول صلى الله عليه وسلم بقي في مكّة ثلاثة عشرَ عامًا يرسِّخ عقيدةَ التوحيد في قلوب أتباعه، ولم يطلب من أصحابه سوى ذلك، فلم يطالبهم بصلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حجّ، وإنما كان يَغرِسُ عقيدة التوحيد فيهم: «أشهد أن لَا إله إلّا الله، وأنّ محمدًا رسولُ الله»، لماذا؟ لأنّ هذه العقيدة هي أساسُ الدِّين وقاعدته التي لا وجود له بدونها، فلو أننا طبقنا أحكام الشريعة وتركنا العقيدة فهذا لا يمكن أن يُقبَل؛ لأنّ العقيدة -عقيدة التوحيد- هي الأساس، وهي المرجع في ذلك.
يقول الله جلّ وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، فقوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي: لم يَخْلِطوه بِشرك، كما قال ذلك العبد الصالح (لقمان): {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وقوله: {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}: الأمن هنا كما قال بعض المفسِّرين: هو الأمن التامّ في الحياة الدنيا والآخرة. فالذي يحقِّق التوحيد، ويخلص العبادة لله وحده لا شريك له، وتكون عقيدته خالصة نقية، لا يشوبها شرك ولا بدع ولا خرافات، هو الذي يتحقق له الأمن التام في الدنيا والآخرة.
والأمن هنا هو الأمن الشامل سواء في العقائد أو المعنويات أو الماديات أو الأفكار أو غيرها، فيأمن المسلم الموحِّد على دينه، وعقله، ونفسه، وعرضه، وماله، وجميع أموره إذا لم يلبس إيمانه بظلم، أي: بشرك، ففي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}: شقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله أيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا: ما {قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقد اعتقد الصحابة رضي الله عنهم أن الظلم المراد في الآية: هو ما يقع من أنواع الظلم الذي يجري بين الناس، من ظلم الرجل لأهله، وجيرانه، وأصحابه وغير ذلك، فبيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس كذلك بل هو الشرك.
فالموحِّد يأمَنُ على جميع أموره شخصيةً كانت أو عامةً، كما يأمن محقِّق التوحيد في الحياة الآخِرة؛ فيأمن من العذاب ويدخل الجنة، وكلنا نسعى إلى ذلك ونطلبه ونعمل من أجله.
والتوحيد هو التوحيد الخالص: بأن تُفرِد الله بأنواع العبادة؛ فلا تدعو إلّا الله، ولا تتوكّل إلّا على الله، ولا تذبح إلّا لله، ولا تنذر إلّا لله، ولا تستعيذ إلّا بالله، وكلّ عبادتك تجعلها لله وحدَه لا شريك له.
إنّ التوحيد بهذا المفهوم له آثارٌ وثمارٌ طيبة وعميقة ونافعة لا تتحقّق إلّا بتحقيقه، فهو يعود بالأثر النافع والإيجابية الظاهرة على المسلم نفسه، وعلى المجتمع بعموم أفراده، ومن هنا فإنّ أعظمَ سبل الوقاية من الوقوع في إرهاب الفتن هو تحقيق التوحيد، فصاحبه يأمن بإذن الله من الوقوع في الفتن والشبهات والمزالق والمخاطر أيا كان نوعها، فتجب العناية والاعتناء بهذا الأصل العظيم في أنفسنا، وبين أبنائنا، وأهلينا، وأسرنا، ومجتمعنا، فإثراء ذلك وتفعيله في مساجدنا، ومدارسنا، وجامعاتنا، وجميع مؤسساتنا العامة والخاصة، عناية تامة، والإكثار منه والدعوة إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/313): (فإنَّ هذه القواعد المتعلقة بتقرير التوحيد، وحسم مادة الشرك والغلو، كلما تنوَّع بيانها، ووضحت عباراتها، كان ذلك نورًا على نور، والله المستعان).
وقال في مجموع الفتاوى (1/368): (فإن التوحيد، هو سر القرآن ولب الإيمان، وتنويع العبارة بوجوه الدلالات من أهم الأمور وأنفعها للعباد في مصالح المعاش والمعاد). ونحن نعرف أنّ أساس هذه البلاد قيامها على توحيد الله جل وعلا، وما زالت على ذلك، والحمد لله.
وإذا نظرنا إلى ما حولنا من البلدان، ووقعوها في الفتن والحروب والمشاكل، ثم نظرنا إلى بلد التوحيد والسنة «المملكة العربية السعودية»، وما ترفل فيه من أمن واستقرار وعافية وسعة في الرزق واقتصاد كبير علمنا أن أسباب ذلك إنما هو بتمسكها بالتوحيد والسنة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67].
فالإمام محمَّد بن سعود والإمام الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب -رحمهما الله تعالى- تعاهدَا على نُصرة التوحيد، وعلى القيام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك تحقّق لهما التمكين والنصرة والعزّة ورفعة الشأن، وظلت هذه الدولة في أطوارها الثلاثة على هذا المبدأ، ونحن نعيش في هذا الأمر ونتفيَّأ ظلالَه في هذا الزمن، ولنعلم عِلم اليقين أننا لو أردنا أن نتطوَّر أو نتقدّم أو نُحدِّث أمورنا بعيدًا عن هذه العقيدة فإنّنا سننزل درجات عمَّا كان عليه أسلافنا وما وصلوا إليه من الرِّفعة والقوَّة الإيمانية التي تواجِه أيَّة قوة مادية.
فاللهَ اللهَ في تحقيق هذا التوحيد فهو أصل في الاجتماع والألفة والمحبة ونبذ التفرق والاختلاف والشقاق والنزاع، بل إن العرب لم تجتمع على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما دعاهم إليه، فخرجوا به من ظلمات الشرك والضلال إلى نور الإيمان والدين، وأصبح واقعًا حيًا في قلوبهم، وأعمالهم، وأقوالهم، وجميع شؤونهم حتى صفت قلوبهم، وتهذبت نفوسهم، وأصبحوا دعاة خير وفضل وجمع للكلمة.
ثم يعود التاريخ مرة أخرى ليثبت أن العرب لا يجتمعون على أحد إلا إذا دعاهم إلى التوحيد، وذلك عندما قامت الدولة السعودية في دورها الأول، ثم دورها الثاني، ثم في دورها الثالث عندما أسسها ووحدها الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله تعالى على التوحيد والإخلاص لله رب العالمين، فلم يوحدها على أساس العصبية القبلية، أو القومية، أو اللغوية، أو الإقليمية، أو غير ذلك من أمور الدنيا.
إنما اجتمعت هذه الجزيرة العربية من رجالاتها، وقبائلها -رغم ما كان بينهم، بل أهل البلد الواحد من الحروب والتنافس والتناحر والعصبية والقبلية والتباغض والتدابر- عندما دعاهم إلى توحيد الله رب العالمين، والإخلاص له في عبادته، وتطبيق شرعه، وتنفيذ أوامره سبحانه وتعالى.
وما قامت المملكة العربية السعودية إلا على هذا الأصل العظيم؛ فنشؤها متعلِّق بهذا الأصل، وهو تحقيق التوحيد من كلِّ شرك أو بدعة تشوبه، ودعوة الناس لذلك وأمرهم به.
وقد كان يسود الجزيرة قبل الملك عبدالعزيز أنواع من الجهل، والعصبية القبيلة، والفوضى العارمة، والتناحر والتقاتل، والجوع والعطش، والخوف والهلع، فأبدل الله حالهم وما كانوا عليه بمجيء الملك عبدالعزيز، وما قام به ودعا إليه حيث جمعهم الله عليه، فصار جهلهم إلى علمٍ وتعلم، وأبدل خوفهم أمنًا، وجوعهم شبعًا، وعطشهم ريًّا، وتفرقهم اجتماعًا، واختلافهم اتفاقًا، وتناحرهم ألفة ووئامًا، فصارت الجزيرة في رحمة ونعمة نتفيأ ظلالها إلى يومنا هذا، وهذا يوجب علينا جميعًا المحافظة على هذه النعم بالمحافظة على المعتقد الصحيح والمنهج السليم، وتطبيق شرع الله، والسير على منهج رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف الأمة، وشكر الله عليها وحمده سبحانه وتعالى.
ويجب علينا أن نجدد في الناس الدعوة للتوحيد، والاهتمام به، وخاصة في زمن الفتن، والشرور، فإن التوحيد إذا قوي عند العبد ضعف قبوله للفتنة، وعكسه إذا ضعف التوحيد عنده قوي قبوله للفتنة والشر.
وأخيراً أوجه رسالة إلى أهالي من قتل في هذا الجهاد العظيم ضد الحوثيين: بأن يصبروا ويعلموا أن ما أصاب أبناءهم ووالديهم فهو خير عظيم له ولهم، ويكفيهم شرفاً أنهم قتلوا وهم يجاهدون لإعلاء كلمة الله ودحر المجرمين المعتدين، ونرجو أن يكونوا من الشهداء الذين تقبلهم الله تعالى عنده، قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في مجموع فتاواه (6/180): (إلى أولياء وأهالي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وفي نصر المظلوم وردع الظالم وإقامة الحق، إنهم في هذا الأمر على خير عظيم ونرجو لهم الشهادة، والنجاة من النار، والسعادة، ونعزي ذويهم وأقاربهم وأصحابهم، ونسأل الله أن يرحمهم ويغفر لهم، وأن يجبر مصيبة ذويهم ويحسن عزاءهم ويعوضهم عنهم خيراً، وأن يرزقهم الصبر والاحتساب، وأن يغفر للميتين، ويصلح أحوال الأحياء إنه جواد كريم، وفي الحقيقة إنها نعمة من الله، فالقتل في سبيل الحق وإنقاذ المسلمين من الشر وردع الظالمين ونصر دين الله والقضاء على الفساد من نعم الله العظيمة، ومن الجهاد في سبيل الله، فينبغي أن يهنأ أولياؤهم بهذا الخير العظيم الذي رزقهم الله وهو الشهادة).أهـ
أسأل الله العلي القدير أن يحفظ علينا ديننا ووطننا وأمننا وولاة أمرنا وأن يوفق ويسدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي العهد ويعزهم ويمكنهم ويرفع من شأنهم، وأن ينصر جنودنا البواسل، وأن يذل ويخذل أعداء دينه.