لبنى الخميس
«توقف عن التفكير بأحلامك.. وابدأ بتنفيذها على الأرض.. هناك أكثر من 30 ألف يوم في حياتك.. لا يتخللها جولات «تحمية» أو بروفات تدريبية، والمخاطرة الكبرى أن لا تخاطر. فبدلاً من أن تحاول صنع حياة مثالية، امنح نفسك فرصة جعلها مليئة بالمغامرات والإنجازات».
بهذه الكلمات خاطب (درو هيوستن) منظم الإنترنت الأمريكي ومؤسس برنامج «دروب بوكس» الذي جنى على إثر ابتكاره ثروة قدرت بأكثر من 400 مليون دولار طلاب جامعته (معهد ماساتشوستس للتقنية - إم آي تي) في حفل تخرج الطلاب عام 2013، وهي إحدى طقوس جامعات الولايات المتحدة التي تستضيف في هذا اليوم المشهود من تاريخها شخصية مؤثرة وناجحة، استطاعت تكوين مخزون خبرة حياتية قيّمة، تحتفي بها وهي تودع دفعة جديدة من طلابها، وتستودعهم معارك الحياة المختلفة بكافة تحدياتها وعشوائيتها.
فالحياة لا تشبه تلك الأيام المنظمة التي عاشوها في الجامعة، بل هي أكثر تنافسية وقسوة.. ما يجعل تلك الخطب التي تُلقى على مسامع الآلاف من الخريجين كل عام قناديل أمل، وشموع حماسة لخوض غمار التجارب، وحكم يطرزونها على ثوب الحياة، ويستشعرون نغم إيقاعها على أوتار حياتهم الخاصة.
ولعل أكثر خطب حفلات التخرج تأثيرا ً هي خطبة ستيف جوبز - الذي لم يحصل على شهادة جامعية يوماً - في جامعة ستانفورد العريقة عام 2005 والتي وصل عدد مشاهداتها في موقع يوتيوب إلى أكثر من 22 مليون مشاهدة، وترجمت لعديد من لغات العالم، بل وجرت كثير من سطورها مجرى الحكم الملهمة. خصوصاً تلك التي تناولت الشغف والانتصار على صعوبات الحياة.. أذكر منها «عملك سيملأ جزءاً كبيراً من حياتك.. والطريقة الوحيدة لأن تكون راضياً هي أن تؤمن بأن ما تفعله عظيم، والطريقة الوحيدة لعمل شيء عظيم هي أن تحب ما تفعل».
تلك الخطب الملهمة.. والمشخصيات المبدعة.. اللحظات المحفزة.. جعلت مسيرات التخرج في أمريكا.. تجربة يغمرها الكثير من الإلهام والحكمة التي يستنير على نهجها السامعون.. حتى وصل صدى بعضها إلى مختلف أنحاء العالم.
السعودية لا ينقصها شيء، بل نحن وطن يكتنز بكثير من قصص الإلهام والإصرار لشخصيات امتطوا أحلامهم، وتبعوا شغفهم، دون أن تخدرهم الإحباطات وتثبط عزائمهم العثرات.. فلم لا نراهم في تخرجات أكثر من 28 جامعة وطنية؟ ولماذا غابت قصصهم وخلاصة تجاربهم الثرية عن مسيرات تخريج طلاب المعاهد والكليات؟ فطلابنا بأمسّ الحاجة إلى تجارب تحفزهم.. وقصص تثريهم.. ونصيحة تقيهم عثرات الطريق.
أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الوليد بن طلال، سليمان الراجحي، عبد لله الربيعة، عبد الرحمن الجريسي، أحمد الشقيري، خولة الكريع، حياة سندي، لبنى العليان، غادة المطيري وغيرهم الكثير.. ممن ستملأنا قصصهم وتجاربهم زهوّا وحماسة، وتغمر طلابنا بالإلهام والإرادة، ليطردوا عنهم شبح الخوف واليأس، ويبدأوا مسيرة النجاح، بعيداً عن ثوب الرسمية التي تحرص حفلات التخرج على ارتدائه. فمن خطبة ترحيبية مملة، إلى كلمة عميد يلقيها كل عام، إلى تكريم واحتفاء بالمتفوقين.. في بروتوكول مكرر وممل. فاستضافة شخصية سعودية ناجحة ستكسر هذا الروتين المطبق.. وتشحذ الهمم.. وتملأ الفضاء بالإلهام.. والأهم، ستثبت أن بيئتنا ولادة بالعظماء والمتميزين الذين درسوا في فصول تشبه فصولنا، وعاشوا في منازل تشبه منازلنا، وعانوا من صعوبات قد تعرض كثير من لها.. لكنهم لم يستسلموا لليأس.. ولم يتذمروا من فقدان الفرص بل خلقوها، ونسجوا قصصاً لا يمكن أن يتجاوزها الزمان ...
نتمنى أن تستجيب إدارة الجامعات السعودية لهذا الاقتراح وتسنّ هذه العادة في برنامج تخريج الطلاب السنوي .