أ. د.عثمان بن صالح العامر
مع أنني لم أكن أؤمن بنظرية المؤامرة، وأحاول إقناع نفسي بأن مجريات الأحداث وتراكمات المعطيات ومجمل الظروف الداخلية والخارجية هي التي أوصلتنا إلى هذه الحال العربية المؤلمة والمتأزمة، وقادت لوقوع هذه الأحداث المأساوية المتتابعة في كثير من بلاد خارطتنا الحبيبة، فإن ما حدث ويحدث منذ بداية القرن الميلادي الجديد جعلني أجزم بأن هناك مؤامرة من العيار الثقيل، حيكت نهاية القرن الميلادي المنصرم ضد البلاد العربية عموماً، وبلادنا المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، وخُطط لها بدقة متناهية، وأريد لها أن تنفَّذ على أرض الواقع كما هي على الورق وفي المحاضر السرية المغلقة، في فترة زمنية محددة نعيش تفاصيل وجعها المؤلم كل يوم، وضُحّي من أجل الوصول لما خُطط له واتفق عليه بكل الوشائج والصلات التاريخية العميقة.
* لن أخوض في تفاصيل هذه اللعبة ومضامينها، ولكنني أردت في هذا المقال، الذي يأتي في سياق الحديث عن قضية «زواج المثليين» ومستقبل الوجود الأمريكي على الخارطة العالمية في ضوء السنن الربانية في إهلاك الأمم وإسقاط الدول وإفناء الشعوب.. أقول إنني أردت هنا أن أذكر أنه من ضمن التكتيك المرحلي في ذهنية المخطط الاستراتيجي الأمريكي صرف نظر الرأي العام الداخلي والدولي عن التركيز على القضية الأهم والأساس التي تشغل بال الرأي العام العالمي اليوم بقضايا جانبية هامشية، وربما افتُعلت معارك وهمية، وضخمت إعلامياً، لإشغال الشارع بما هو خارج نطاق المفكر به عمّا هو في بؤرة التفكير، ويترتب على تنفيذه قرارات مصيرية وتغيرات جذرية.
* شخصياً، لا أستبعد من خلال قراءتي في منهجية التفكير الاستراتيجي الغربي أن تكون الزوبعة الإعلامية والقرارات السيادية التي اتُّخذت من أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، وباركها وصفق لها وتوشح بشعارها البيت الأبيض، وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو أول المهنئين لصاحب القضية معتبراً أن إنجازه التاريخي حدث لن تنساه الأجيال.. أقول إنني لا أستبعد أن يكون من بين الأهداف المتوخاة من هذا الضجيج والتصفيق والاحتفاء والاحتفال صرف الأنظار عمّا هو أهم من أحداث خاصة في ساحتنا العربية/ الشرق أوسطية.
* لقد تبع هذا الضجيج الإعلامي في غضون الأيام القليلة الماضية الاتفاق بين إيران والدول الست حول البرنامج النووي الإيراني، الذي أترك الحديث عنه وما قد يحدثه في منطقتنا الخليجية لمقال قادم بإذن الله، كما وافقه التصعيد الداعشي لعملياته الانتحارية داخل بلاد الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية)، من خلال توظيف الخلايا العنقودية والذئاب المنفردة لزعزعة أمن بلادنا (المملكة العربية السعودية)، ضمن مشروع داعش الخطير، ولا يعلم الإنسان ما هو في رحم الغيب في قادم الأيام لا سمح الله.
* إن المرحلة التي نمرّ بها في هذه البلاد الطاهرة المقدسة من أشد المراحل التاريخية وأدقها وأعتاها، ومع أنني عنونت هذه المقالات الثلاثة بـ: («المثليون» بداية النهاية للحضارة المادية الأمريكية) فإن هذا لا يقلل من خطورة التخطيط الأمريكي خصوصاً، والغربي والفارسي على وجه العموم، لضرب بلادنا بمقتل؛ فهم اليوم يحيطون بنا إحاطة السوار بالمعصم، ويوظفون الجماعات الإرهابية المخادعة والمخدوعة لتفكيك لحمتنا الداخلية بكل الوسائل وبجميع السبل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
* واجبنا أن نعرف معطيات المرحلة ومستجداتها، ونعي مسؤولياتنا الشخصية والعامة لضمان استمرار اللحمة الوطنية، والالتفاف حول قادتنا وولاة أمرنا وعلمائنا وأهل الحل والعقد فينا، ولا ننساق وراء هذه التّرّهات والتقليعات المفتعلة والمعلنة تحت ستار الحرية المزعومة، التي يريدون أن يقولوا لنا ضمن رسالة مبطنة أننا بلد الحرية المطلقة، حتى وصل بنا الحال إلى أن نعطي الرجل مطلق الحرية في أن يضع ماءه بمن شاء وكيف شاء ومتى شاء والعياذ بالله، وغاب عنهم أو أنهم أرادوا أن يغيبوا عنا أن الملايين من المقتولين والمشردين والميتمين في طول عالمنا العربي وعرضه هم أناس يريدون أن يتنفسوا عبق الحرية الحقيقية المسلوبة منهم، لا المزيفة التي يروجون لها تحت سقف شعاراتهم المخادعة والمضللة.
* جزماً سيأتي اليوم الذي سنشهد فيه محاكم التاريخ تنصب لتنتقم من الظالم الحقيقي، وتنتصر للشعوب المظلومة باسم الديمقراطية تارة والتقدمية أخرى؛ فالله عز وجل يمهل ولا يهمل. وما جاء في المقال الأول من هذه السلسة الثلاثية يؤصل ويبين، وما تدري ما سيكون غداً، فأمر الله {كُن فَيَكُونُ}، وجنوده سبحانه ليسوا بني البشر فحسب، بل قد تكون الطبيعة التي تتبدل سننها المألوفة والمعروفة متى أراد الله لها ذلك، أو أنهم الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
حفظ الله بلادنا، وحرس عقيدتنا، ووقانا شر من به شر «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا» اللهم آمين. وإلى لقاء. والسلام.