أ. د.عثمان بن صالح العامر
كتب الرئيس الأمريكي باراك أوباما - في تغريدة له على حسابه بموقع «تويتر» ونشرته شبكة «سي -إن- إن»- قائلاً: «اليوم يشكل خطوة كبرى في مسيرتنا نحو المساواة.. لقد أصبح الآن من حق مثليي الجنس الزواج كأي أشخاص آخرين»، وأرفق تغريدته بهاشتاق «الحب ينتصر»، وهو الوسم الذي أطلقه دعاة زواج المثليين على مواقع التواصل.
* لقد جعل أوباما المساواة بين الجنسين الركيزة الأساس التي قام عليها هذا القرار .
* وفكرة المساواة المطلقة هذه التي جعلها منظرو الثورة الفرنسية 1789 م ركناً هاماً من أركان ثورتهم التاريخية التي كان شعارها « اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس « هي في الأساس فكرة غير صحيحة ولا يمكن تطبيقها على الحقيقية، فالله سبحانه وتعالى جعل التكامل والتعاون لا التماثل والتشابه أو الصراع والصدامية والتنافس بين الرجل والمرأة هو الوضع الطبيعي والأمثل لبقاء الحياة واستمرارها وتوازنها، ومتى اختل هذا الشرط ووجدت المساواة المزعومة حتى ولو شكلياً في أي أمر من أمور العيش الدنيوي، اعتلت الفطرة وانتكست الجبلة وضاعت الأدوار وانتشرت الفواحش والآثام، وغاب الملاذ الآمن الذي كان يأوي إليه كلا الطرفين، من أجل السكن المشاعري والإفضاء الجسدي والرقي الأخلاقي والروحي، والذي لا وجود له على الحقيقية إلا في أحضان الأسرة .
* إن هناك خلط كبير - في ذهنية البعض منا فضلاً عن غيرنا من الشعوب - بين المساواة والعدل إذ تولد جراء الربط الدائم بينهما، والحديث المكرر عنهما معاً اعتقد شريحة عريضة من المجتمع العربي أنهما متلازمتين لا ينفصلان مع أنّ المساواة بين غير المتساويين «الرجل والمرأة « ظلم، وهو خلاف المأمور به في جميع الشرائع والملل، فضلاً عن كونه يتنافى مع منطق العقل السليم.
* متى فقد العدل الذي هو نقيض الظلم وعدوه الدائم زال الملك واختل المجتمع وفسد الطبع وذل الإنسان، إذ هو الأس الذي علل به البعض ضمان بقاء الحضارات وعيش الأمم وقوة الدول.
* وما بشر به أوباما زاعماً أنه نصر تاريخي للحب وعنوان جديد للتطور، ولد لوناً من ألوان الظلم المجافي لنواميس وسنن الله الكونية والتاريخية على حد سواء، وهذا الأمر جزماً لا يخفى على من كان له قلب سليم وعقل صحيح .
* نحن في مجتمعنا العربي لابد أن نطرح الحقوق المدنية كما هي في مرجعيتنا الإسلامية، فالمساواة بين الجنسين التي جعلها الرئيس الأمريكي القاعدة التي بني عليها القرار الخارق للسنن والنواميس لا وجود له في ذهنية المسلم، إذ في القرآن الكريم قاعدة ثابتة لا تتحور أو تتبدل (وليس الذكر كالأنثى) وهي تجذر لما جاء في شرعنا المنزه من فوارق تعبدية واجتماعية ونفسية وإدراكية وتكوينية وجسدية و... بين الجنسين .
* نعم هناك مناطق مشتركة وأرضية واحدة يقف عليها الاثنان (كالكرامة الآدمية والصفة الإنسانية والحقوق الأساسية)، إلا أن هذا لا يعني ولا يجيز لنا أن نجعل المساواة مطلقة ولا وجود للفوارق بين الجنسين حتى يصل الأمر أن يقضي الرجل وطره مع مثيله وكذا المرأة مع امرأة مثلها .
* إنّ الاختلال الذي يحدث حين تتقمص المرأة دور الرجل أو العكس سر من أسرار الشقاء الذي تعيشه البشرية، وسبب من أسباب الضغط الكبير الذي تعاني منه الأنثى اليوم عالمياً، فهي تطالب قانونياً ومجتمعياً أن تلعب الدورين في كثير من بلاد الدنيا، إذ يكلفها القانون الوضعي الذكوري ما ليس من مهامها في الحياة، وربما كان فوق طاقتها أو أنه ليس بمقدورها في الأصل القيام به .
* إنني باختصار أدعو هنا إلى إعادة النظر في الأسس والمنطلقات حتى لا يأتي اليوم الذي تكون المساواة القشة التي قصمت ظهر البعير، والباب الذي يأتي منه الريح في مثل هذا الأمر أو في غيره لا سمح الله، إذ لا مساواة مطلقة في دنياً أراد الرب سبحانه أن يكون بعضنا لبعض سخرياً، وفضّل بعضنا فيها على بعض .
* أردت بهذا التقعيد - قبل أن أفصّل القول فيما ذهبت إليه من أن قانون المثليين هذا، هو في نظري بداية النهاية للحضارة المادية الأمريكية - أن أهدم الأساس الذي اعتبره الرئيس الأمريكي البوابة التي ستشرع للجنسين المماثلة المطلقة في كل شيء حتى الجماع والمساحقة في عالم الشواذ المقترع عليه والمشرعن له والمعلن عنه والمحتفى فيه والمطبل له من قبل أعلى سلطة في الولايات المتحدة الأمريكية وبصورة ممجوجة لم يسبق لها مثيل، ومتى .. في يوم الجمعة الفاضل في الشهر الفضيل طبعاً لدينا نحن المسلمين!!!،؟، وللحديث المحزن هذا بقية وإلى لقاء والسلام .