د. عبدالواحد الحميد
عندما تشاهد عاملاً بسيطاً من عمال النظافة يمارس عمله الشاق تحت أشعة الشمس الحارقة تأخذك به الشفقة، فلا تملك إلا أن تتصدق عليه بشيء من المال، فهذا هو السلوك الإِنساني الطبيعي وهذا هو ما يحث عليه ديننا وكل الأديان من تعاطف مع الفقراء والمحتاجين.
هؤلاء العمال البسطاء يتعاقدون مع بعض شركات النظافة برواتب زهيدة جداً؛ وحتى هذه الرواتب الزهيدة لا يقبضون إلا جزءاً منها؛ لأن بعض الشركات تحتال عليهم وتُحَمِّلهم تكاليف استخراج الوثائق الرسمية المطلوبة وأحياناً تغبنهم باستقطاع جزء من رواتبهم القليلة تحت ذرائع مختلفة.
ومما يزيد من مأساة هؤلاء العمال أنهم يخضعون أيضاً للابتزاز في بلدانهم قبل مجيئهم إلى المملكة، بدءاً من المسؤولين الحكوميين المحليين مروراً بسماسرة التوظيف والاستقدام فيضطرون إلى بيع كل ما يملكون طمعاً في الوصول إلى المملكة أو إلى بعض بلدان الخليج، على أمل استعادة ما دفعوه مع فائض يمثل دخلاً لأسرهم الفقيرة التي تركوها وراءهم.
ولأن الناس يعرفون أن هؤلاء العمال المساكين هم ضحايا للابتزاز والاستغلال فإنهم يتعاطفون معهم ويساعدونهم بما يستطيعون، لكن القضية التي تفجرت في حائل خلال شهر رمضان تجعل بعض الناس يتساءل عما إذا كانت مساعدة هؤلاء العمال في محصلتها النهائية ما هي إلا تشجيع للفساد!
لقد تناقلت الصحف خلال شهر رمضان قيام بعض مراقبي النظافة من جنسية آسيوية في مدينة حائل بتشجيع العمال على ممارسة التسول في بعض أسواق المدينة وذلك مقابل مبلغ محدد يحصل عليه المراقب من حصيلة التسول، فكان المراقبون يختارون مواقع مناسبة وساعات دوام مريحة يحددونها للعمال / الشحاذين، ويقتسمون معهم ما يحصلون عليه من المال الذي يتصدق به المحسنون على العمال!
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد تكررت في أماكن أخرى حتى قيل إن بعض عمال النظافة أصبحوا يحترفون التسول لأنه يدر عليهم أضعاف ما يحصلون عليه من أجر.
لا شك أن ما يفعله هؤلاء العمال هو نوع من الاحتيال، لكن ظروفهم البائسة تشجعهم على ذلك، وعندما يسلكون هذا الطريق ويكتشفون العوائد المجزية تصبح الشحاذة هي مهنتهم الأساسية وليس النظافة!
يبدو أن التسول أنواع ومذاهب، لكن المؤكد أن وراء كل شحاذ قصة بائسة من الاستغلال أو الاحتيال، لكن هذا النوع من الاستغلال والاحتيال ربما يكون اختراعاً غير مسبوق من هذه الاختراعات التي تتحفنا بها بعض العمالة الوافدة حتى قتلت في النفوس دوافع الإحسان إلى المحتاجين الحقيقيين.