د. عبدالواحد الحميد
لو أن المواطن السعودي يتصرف داخل المملكة إزاء الأنظمة والممتلكات العامة مثلما يتصرف خارج وطنه لاختفت الكثير من المظاهر السلبية التي نعاني منها. فقد أثبتت دراسة قامت بها باحثة من جامعة الملك عبدالعزيز هي الدكتورة تغريد الجدعاني ونشرت جريدة الحياة تلخيصاً لها أن نصف المواطنين السعوديين يتقيدون بالأنظمة خارج المملكة أكثر من داخلها.
ما توصلت إليه الدراسة ووثقته بشكل علمي هو ما نلاحظه بالعين المجردة عندما نكون خارج الوطن. فعلى الرغم من المخالفات التي يرتكبها بعض السعوديين عندما يقضون إجازاتهم في بلدان أخرى فإن أكثرهم يلتزم بأنظمة تلك البلدان، بما في ذلك أنظمة السير التي لا يلقون لها بالاً عندما يكونون في المملكة.
لا أظن أن هذه الازدواجية في السلوك ترجع بالضرورة إلى طبيعة الإنسان السعودي بقدر ما تعود إلى شعوره بأن مخالفة القوانين في البلدان التي يتم احترام القوانين فيها من قِبَل الجميع هي مخاطرة يجب أن يتجنبها لكي لا يقع له ما يكرهه من العقاب الصارم.
نعم قد يشعر الإنسان خارج بلده بالحرج حين يتصرف أمام الآخرين بشكل مخالف للأنظمة والأعراف السائدة في بلدٍ ما، لكن الأهم من ذلك هو الخوف من العقاب. هذه هي الطبيعة البشرية في كل مكان، وبمضي الوقت قد يتعود الإنسان على التصرف بطريقة متحضرة ترضي شعوره بالمسؤولية بغض النظر عن القوانين؛ إلا أنه قد ينتكس لو وجد نفسه في بيئة لا تحترم القوانين، وهذا ما يفعله بعض «الخواجات» الذين يتصرفون داخل بلدانهم بطريقة متحضرة تحترم القوانين والممتلكات العامة، ولكنهم لا يفعلون ذلك عندما يكونون في بلدان تسودها الفوضى وعدم احترام الأنظمة.
من المؤكد أن تربية النشء بطريقة صحيحة وتعويده على احترام الأنظمة والسلوك الطيب يساعد كثيراً في القضاء على ما نشكو منه، لكن من أين تأتي التربية الصحيحة إذا كان الطفل في بيته وفي مدرسته يرى أن الأقوال التي يسمعها من والديه ومعلميه تختلف عن الأفعال التي يقومون بها.
في مثل هذه البيئة التي تسودها الازدواجية والتناقض بين القول والفعل ليس غريباً أن يكبر الطفل وهو يمارس الازدواجية ذاتها وتصبح جزءاً من شخصيته وسلوكه.
تظل التربية مهمة وأساسية، لكن القانون الصارم الذي يطبق بلا هوادة على الجميع هو الأهم والأكثر جدوى إذا كان لهذه الظاهرة المخجلة أن تتلاشى من حياتنا.