د. عبدالواحد الحميد
نتذكر في شهر رمضان الفقراء والجوعى، فلازال انعدام الحد الأدنى من الطعام وتفشي الفقر والجوع والبؤس المعيشي في العديد من بلدان العالم يمثل مشكلة كبرى تستعصي على الحل، ليس لأن العالم يفتقر إلى الموارد، وإنما لأن العالم يضع أولويات غير منطقية وغير رشيدة في توزيع الموارد المتاحة على الاستخدامات المتعددة!
وقد كان من قبيل المصادفة أن يصدر في شهر رمضان تقريرٌ عن ثلاث هيئات تابعة للأمم المتحدة، جاء فيه أن إنهاء الجوع في العالم يمكن أن يتحقق خلال عقد ونصف لو رصدت الحكومات ميزانية كافية للاستثمار في توفير الغذاء لفقراء العالم.
الميزانية التي سوف تحقق هذا الهدف النبيل قد تبدو كبيرة للوهلة الأولى، فقد قدرت الهيئات الثلاث أن على حكومات العالم أن تنفق 267 مليار دولار كل عام على مدى الخمس عشرة سنة القادمة لإنهاء مشكلة الجوع بحلول عام 2030.
لكننا حين نراجع الإحصائيات التي تصدرها بعض الهيئات المتخصصة في متابعة إنفاق العالم على التسلح، نكتشف كم هو زهيد ذلك المبلغ الذي يتعين على العالم إنفاقه لاجتثاث مشكلة الجوع من العالم لأول مرة في التاريخ. فالولايات المتحدة وحدها أنفقت على السلاح في العام الماضي 2014 ما يتجاوز الـ600 مليار دولار!! أما دول العالم مجتمعة فقد أنفقت 1.76 ترليون دولار؛ ومعلوم أن الترليون يساوي ألف مليار أي مليون مليون.
لقد قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ذات مرة إن ما ينفقه العالم على السلاح في شهر واحد أكثر مما ينفقه على التنمية في عام كامل!!
ما لم يقله بان كي مون هو أن الإنفاق على السلاح تستفيد منه الشركات والدول المنتجة للسلاح، بينما الإنفاق على التنمية ومكافحة الجوع يستفيد منه الفقراء، وما لم يقله بان كي مون هو أن هذه الشركات والدول المنتجة للسلاح لا تبالي بما تسببه تجارة السلاح من دمار وحروب، ولا بما يحققه الإنفاق على محاربة الجوع من رفع لمعاناة مئات الملايين من البشر.
من المحزن أن معظم فقراء العالم يعيشون في بلدان متخلفة ينخر الفساد أجهزتها الحكومية، ولو تهيأ لهذه البلدان حكمٌ رشيد، لاستطاعت أن توفر من مواردها الذاتية ما يكفي لتوفير الميزانيات التي تكافح بها الجوع؛ بينما تقل نسبة الفقراء في البلدان التي تنتج السلاح وتبيعه في كل أنحاء العالم. وهذه المفارقة المؤسفة بين واقع الجوعى وواقع المترفين في العالم لا تمنح الإنسانية إلا القليل من الأمل في القضاء على مشكلة الفقر.