جاسر عبدالعزيز الجاسر
يتغابى أي محلل أو باحث سياسي عن تقييم النجاح الذي حققه ملالي طهران بانتزاع شرعية دولية، وبالأخص غربية، بنظامهم وحتى سلوكهم المرفوض دولياً وإقليمياً.
فملالي إيران حصلوا على أهم مكسب ظلوا طوال ثلاثة عقود ونصف يسعون إليه فتحقق لهم في عهد (الحليف الخفي) أوباما؛ إذ بتوقيعهم ما يسمى بالاتفاق النووي حصلوا على الاعتراف الغربي المعزز بالتصديق الروسي الصيني بشرعية نظامهم، بل وحتى عدم التفكير بتغيير هذا النظام أو المساعدة في تغييره أو دعم الإيرانيين التواقين إلى تنسم الحرية.
وهكذا أكمل الديمقراطيون الأمريكيون خدمتهم لملالي إيران، ففي عهد رئيسهم جيمي كارتر رتبوا ونجَّحوا انقلاب خميني، وفي عهد رئيسهم الديمقراطي الآخر أوباما منحتهم أمريكا صك الاعتراف الشرعي وتوقيع الاتفاق النووي حتى في ظل الاعتراضات الصهيونية وتجييش مؤيديها في الكونجرس الأمريكي لوضع العراقيل أمام الرئيس لعرقلة تنفيذ بنوده، ومنها رفع العقوبات، إلا أن أمريكا ستقود الغرب إلى التطبيع مع نظام ملالي إيران، وقد سبق واشنطن إلى ذلك إطلاق إشارات من لندن وباريس في إعلان نواياهما بالبدء بالتطبيع، بل وحتى زيارة طهران من وزيري الخارجية مع إعلان لندن عن قرب فتح سفارتها في طهران، في حين باريس لا حاجة لها بذلك لأن السفارة الفرنسية لم تغلق أصلاً في طهران.
الغرب ليس في لغته الدبلوماسية المعاصرة مكان للمبادئ؛ فالبرغماتية التي أوجدها المفكرون السياسيون الغربيون تعطيهم المجال لتغليب المصالح على المبادئ، إن وجدت، والغربيون يرون أن مصالحهم في السوق الإيرانية واعدة بعد أن تفرج أمريكا عن الأموال المحجوزة الإيرانية، والتي تتجاوز المائة والخمسين مليار دولار أمريكي تتهافت الدول الغربية على هذه المليارات للحصول على جزء منها، ولهذا، فإن الدول التي أبرمت الاتفاق النووي، وبالذات الدول (الخمسة + ألمانيا) ضربت بمصالح دول الخليج العربية عرض الحائط، رغم علم هذه الدول ومن يهلل لهذا الاتفاق أنه بعد عشرة أعوام ستكون إيران قادرة على تصنيع أسلحة نووية، ولن تواجه بنفس المعارضة التي واجهتها في الأعوام الماضية، وبما أنها تمتلك الخبرة التي حتماً ستتراكم في الأعوام العشرة القادمة مع تكدس آلاف الأطنان من اليوارنيوم المخصب فإن كل ذلك سيجعل من السهل تصنيع إيران للأسلحة النووية، وهذا ما يستدعي من دول المنطقة، وبالذات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن تستعد لهذا اليوم بالعمل على وضع قاعدة علمية وبنية نووية أساسية كإنشاء المفاعلات النووية البحثية لاستعمالها لتوليد الطاقة التي يمكن أن تخدم دول المنطقة في تحقيق توازن نووي؛ سواء مع إيران أو إسرائيل، وإلا ستكون الدول العربية وحدها المعرضة لابتزاز الصهاينة والإيرانيين معاً.