د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
يلاحظ الموازن بين لغة المحدثين ولغة القدماء أنّ المحدثين ربما استبدلوا بحروف المعاني كلمات توخوا بها مزيدًا من الإيضاح، أو قلدوا بها طرائق ثقفوها مما تعلموه من لغات أعجمية، وأضرب لهذا أمثلة ولا أستقصي ذلك استقصاءً.
أولاً-الحرف (أمّا):
يجعلون في موضعه هذه المركبات: أما بالنسبة، أما بخصوص، أما ما يتعلق، أما فيما يتعلق. مثال ذلك:
-«أما بالنسبة للسياب فقد كانت هناك حوافز معينة دفعته إلى التعلق بذلك الرمز» (1).
والأصل هو: أما السياب فقد كانت هناك حوافز معينة دفعته إلى التعلق بذلك الرمز.
-«أما بخصوص كلام الشبلي عن الأزهر فإنه لم يكن موجهًا للأزهر نفسه» (2).
والأصل: أما كلام الشبلي عن الأزهر فإنه لم يكن موجهًا للأزهر نفسه
- «أما ما يتعلق بزعمهم في شياطين الشعراء فقد أمسكنا الكلام عنه إلى بابه، فإن له ثمة موضعًا» (3).
والأصل: أما زعمهم في شياطين الشعراء فقد أمسكنا الكلام عنه إلى بابه، فإن له ثمة موضعًا.
- «أما فيما يتعلق بالإيجاز فقد أوشك أن يجمع النقاد والبلاغيون على أن الأسلوب الموجز المقتضب من أكثر مظاهر القوة وضوحًا» (4).
والأصل: أما الإيجاز فقد أوشك أن يجمع النقاد والبلاغيون على أن الأسلوب الموجز المقتضب من أكثر مظاهر القوة وضوحًا.
ثانيًا-حرف (الباء):
يجعلون في موضعه: بواسطة، من خلال، عن طريق، عبر. ومثال ذلك:
- «يخرجهما متجاذبتين ولكن لا بواسطة السينات ولا بواسطة الكسرات وإنما بواسطة التجانس الصوتي فيها» (5).
والأصل: يخرجهما متجاذبتين ولكن لا بالسينات ولا بالكسرات وإنما بالتجانس الصوتي فيها.
- «ولذلك لا يعمد الكاتب إلى وصف شخصيةٍ من الشخصيات من خلال منظاره هو، ولكن من خلال منظار الشخصية التي تتعامل مع غيرها من شخصيات القصة» (6).
والأصل: ولذلك لا يعمد الكاتب إلى وصف شخصيةٍ من الشخصيات بمنظاره هو، ولكن بمنظار الشخصية التي تتعامل مع غيرها من شخصيات القصة.
- «وتفرعت عنه ألفاظ أخرى عن طريق الإبدال» (7).
والأصل: وتفرعت عنه ألفاظ أخرى بالإبدال.
- «وحين يختنق، فإنه لا يجد رئةً أخرى يستنشق عبرها الهواء بحرية!» (8).
والأصل: وحين يختنق، فإنه لا يجد رئةً أخرى يستنشق بها الهواء بحرية!.
ثالثًا-حرف (اللام)
يجعلون في موضعها الفعل (يتمتع)، مثل:
- «كما أننا لسنا نقلل من الأهمية العظيمة التي تتمتع بها وثقائق أدبية مثل مقدمات جيمس ومقالة تيت» (9).
والأصل: كما أننا لسنا نقلل من الأهمية العظيمة لوثقائق أدبية مثل مقدمات جيمس ومقالة تيت.
رابعًا- الحرف (إنْ)
يجعلون في موضعها (في حال)، ولعلها ترجمة حرفية للإنجليزية (in case)، مثل:
- «ولكن في حال جاء مستثمر أو صاحب مؤسسة من الجبيل أو الدمام أو الخفجي أو صفوى (التي تتبع مكتب رأس تنورة) فإن المكتب يقدم له خدمات الاستعلامات عبر الحاسب الآلي فقط» (10).
والأصل: ولكن إنْ جاء مستثمر أو صاحب مؤسسة من الجبيل أو الدمام أو الخفجي أو صفوى (التي تتبع مكتب رأس تنورة) فإن المكتب يقدم له خدمات الاستعلامات عبر الحاسب الآلي فقط.
وليس في صنيع المحدثين هذا خطأ نحوي يعد مستعمله لاحنًا؛ ولكنه تجاف عن طريقة العربية المتصفة بالإيجاز وهو من هنا يمكن أن يعدّ خطأ؛ لأن الخطأ أعم من اللحن بسبب مخالفة قواعد الإعراب أو التصريف، ومع ذلك ستجد من الناس من يحلو له أن يعدّ ذلك من تطور العربية واتساعها. واللغة متى تمادت في ذلك معاندة المعايير الضابطة ابتعدت عن أصولها حتى يأتي يوم تنسى فيه تلك الأصول.
** ** **
(1) إحسان عباس، بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره، ص 305.
(2) حسين علي محمد حسين، التحرير الأدبي، ص 244.
(3) محمد صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب(ط2، المكتبة التجارية/ القاهرة، 1940)، 1: 379.
(4) محمد صالح الشنطي، فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه، ص 79.
(5) شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، ص89.
(6) عبد اللطيف محمود حمزة ، المدخل في فن التحرير الصحفي، ص 419.
(7) مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، 1: 123.
(8) http://www.vb.eqla3.com/showthread.php?t=1379814
(9) ستانلي ادغار هايمن، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ترجمة: إحسان عباس، 1: 177.
(10)محمد العبدالله، تقرير، عكاظ، الخميس 04/11/1433هـ20 سبتمبر 2012 م، العدد : 4113.
* * *
* أعيد نشر هذه الحلقة لسقوط الإحالات المرجعية فيما نشر سابقاً