د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
تردد هذا التعبير في المسلسل السوري الشهير (صح النوم)، وهو كناية عن الفوضى حيث كل امرئ يمد يده بالتصرف والاعتداء؛ لأنه لا رادع له، و(إيدو) في أصلها (إيدُه) و(إلو) في أصلها (إلُه) أي: لهُ، حذف الضمير من اللفظين ومطلت الضمة تعويضًا عن المحذوف، كما حدث في عبدو أي عبدُه، وعلى الرغم من وضوح هذا الأمر نرى ياسين عبدالرحيم في (موسوعة العامية السورية) يسرف على نفسه بتكلف ردّ اللفظ إلى السريانية بحجة أن العامية السورية استمرار للسريانية، قال في سياق بيان أثر السريانية في العامية السورية: «وخذ كلمة (إيدو) في العامية فإن مقابلها في الفصحى يد، وفي السريانية إيدو ido. فهل يعقل أن الشعب الذي كان يقول (إيدو) مئات السنين وما يزال يحكيها في (إيدو طويلة) تعلّم أن يقول يد ثم غلبت على لسانه رطانة الأعاجم فصار يقول (إيد)؟ إن هذا كذب على التاريخ والواقع. وعلى هذا نقول إن (إيد) العامية من السريانية (إيدو) وليست من العربية يد. ونحن هنا لا نتعصب للسريانية»(1). ونجده يقرر ذلك أيضًا في مدخل (إيد) فيقول إن فصيحها (يد) وأنها مأخوذة من السريانية eida(2).
والأمر الأول الذي يغفل عنه ياسين عبدالرحيم أن المتكلمين بالعامية السورية اليوم أكثرهم من القبائل العربية التي نزحت إلى الشام بعد الفتوح الإسلامية، وتتابعت الهجرات العربية من الجزيرة إلى بلاد الشام بسبب ما كان يصيب الجزيرة من القحط حتى قالوا في أمثالهم (الشام شامك إلى مِنّ(3) الزمان ضامك)، وهؤلاء حملوا معهم عربيتهم الخالصة، ونشأت في بلاد الشام أول دولة عربية بحكم الأمويين، وصارت الشام مركزًا من أهم مراكز العربية وعلومها، وغلبت العربية على ما كان من السريانية ولكن آثارها ظاهرة في بعض الألفاظ وبخاصة أعلام الأماكن(4)، قال محمود فهمي حجازي «وعقب ظهور الإسلام وقيام الدولة العربية الإسلامية التي ضمت أيضًا الشام والعراق بدأت السريانية واللهجات الآرامية الأخرى تفقد قيمتها في التعامل اليومي»(5)، والأمر الثاني هو أن (أيدو) في العامية السورية تعني (يده) أي مضاف ومضاف إليه، وليست حسب فهمه تقابل (يد) في الفصيحة، وأما إدخال الهمزة على يد فهو معالجة للفظ اقتضاها الاستعمال اللهجي، وهو ما جعلهم يدخلون الهمزة على (له) فقالوا: إلو، والأمر الثالث أن (إيد) مستعملة في وسط الجزيرة العربية اليوم ولا يمكن أن تكون متأثرة بالسريانية أيضًا، يقولون (يُدُه طويلة) كما يقولون (إيدُه طويلة)، وكذلك في مصر فمن أمثالهم «إللّي في إيدكْ أقربْ مِنِ اللّي في جيبك»، و»اللّي في إيدُه القلم ما يكتبشْ نفسُه شقي»(6). والأمر الرابع أنّ كلمة (يد) سامية ثنائية الجذر، وهي مشتركة بين اللغات السامية لا تخص لغة دون أخرى، فلا معنى للزعم بأن العربية أخذت (إيد) من السريانية؛ لأن العربية بنزوعها نحو تحويل الثنائيات إلى ثلاثيات الجذر عمدت إلى طرائق مختلفة منها تضعيف الصوت الصامت فنجد من يشدد الدال (يدّ، دمّ) ومنها إضافة علة أو همزة، مثل (يدي، إيد). قال أستاذنا محمود فهمي حجازي «ترد كلمة (يد) في اللغات السامية كلها مكونة من الياء والدال مما يشير إلى ثنائية أصل هذه الكلمة، غير أن بعض اللهجات العربية حاولت جعل هذه الكلمة في شكل الثلاثي بأن شددت الدال، وحاولت لهجات عربية أخرى جعلها ثلاثية بإضافة همزة في أول الكلمة»(7). وما نريد تأكيده هو أن الأصل في عاميات البلاد العربية أنها امتداد للفصيحة أو لغة من لغات العرب القديمة قبل تكون الفصيحة المشتركة، ولا يعني هذا أنها لم تكتسب من غيرها من اللغات بعض الألفاظ، ولكن لا يُقضى بذلك إلابثبت ودليل لا شبهة فيه.
** ** **
(1) ياسين عبدالرحيم، موسوعة العامية السورية، 1: 57
(2) ياسين عبدالرحيم، موسوعة العامية السورية،1: 269.
(3) يستعمل التركيب (إلى مِنّ) في لهجات الجزيرة بمعنى (إذا).
(4) إبراهيم السامرائي، دراسات في اللغتين السريانية والعربية، ص9.
(5) محمود فهمي حجازي، أسس علم اللغة العربية، ص 182.
(6) أحمد تيمور، الأمثال العامية، 58.
(7) محمود فهمي حجازي، أسس علم اللغة العربية، ص 211.