خالد بن حمد المالك
تاقت النفس إلى رؤية اليمن بعيداً عن الاحتراب والاقتتال، تجللها السكينة والهدوء، وتبدو لأهلها ومحبيها الدولة الملهمة لكل ما هو جميل، فلا يعكر صفوها قرقعة السلاح، وصوت الصواريخ والتفجيرات كما هو حالها الآن، ولا ينال من أمنها واستقرارها وهدوئها هذا العمل الاستفزازي الجبان الذي يمارسه الحوثيون وأتباع علي عبدالله صالح.
***
فقد مسَّنا الألم على مشاهد الدماء في الشوارع والطرقات، وتحويل المباني الجميلة التي تظهر شخصية اليمن الفاتنة إلى أنقاض، وتدمير المدن الواحدة بعد الأخرى، كما لو أنها ليست مدنهم، أو أنها لا تحمل أجمل فصول التاريخ من روايات عن هذه البلاد السعيدة على مدى قرون من الزمن، في عمل جنوني وسلوك مشين، وتصرف أرعن، وخدش لكبرياء هذه الدولة العظيمة بماضيها وحاضرها، والتخطيط للقضاء على بارقة أي أمل نحو مستقبل أفضل لها.
***
ولولا بقية من أمل بأن المقاومة الشعبية الشريفة المخلصة لبلادها قادرة على منع الحوثيين وميليشيا صالح من تمرير المخطط الإيراني، لبقي اليمن رهينة الخداع والظلم والقهر والأحلام المريضة، ولولا الموقف السعودي الشجاع على رأس التحالف العربي الذي تصدى للمؤامرة، ووقف بحزم دون اكتمالها، لكان هذا الأمل أيضاً يمر الآن في مرحلة الإنعاش، ولما كان ما نتوق إلى رؤيته في اليمن من جماليات قائماً ومستمراً وحفياً بالاحتفاء.
***
صورة اليمن قبل انقلاب الحوثيين وأتباع صالح شيء، وصورته بعد الانقلاب شيء آخر، صورته بعد الأمواج الهادرة التي زحفت بالملايين إلى شوارع صنعاء وأنهت حكم ثلاثين عاماً من الظلم والاستبداد والخداع ونهب الثروات، وكان الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح خلالها يحكم الشعب بالحديد والنار شيء، وصورته والعاصمة الاقتصادية لليمن بمينائها ومطارها تتحرر من قبضة عملاء إيران بانتظار تنظيف المدن الأخرى من ميليشيا عبدالملك الحوثي وعبدالله صالح شيء آخر.
***
كانت أفراح انتصار عدن بألعابها النارية ورقصات وأهازيج مواطنيها تثير مشاهدها البهجة في كل النفوس الخيرة، إذ لأول مرة منذ فترة طويلة نرى هذه المظاهر الجميلة بعد شهور من البؤس والجوع وفقدان الأمل والتدمير والقتل التي عانى منها الشعب في الجنوب والشمال على حد سواء، فكان الانتصار في عدن مدخلاً لمرور هذه الأشكال الجمالية والألوان الزاهية التي أضاءت السماء والأرض، فنسي المواطنون ولو لوقت قصير أنهم في حرب، كما لو أنها استراحة محارب، وهي كذلك على الأرجح، إذ إن المعركة للتحرير الشامل لا زال الوقت عليه مبكراً.
***
لم يكن اليمن في حاجة لأن يمر بهذه الأجواء القتالية، كان أحوج ما يكون إلى الاستقرار، وتحسين وضعه الاقتصادي، والبحث عن مصادر أخرى لتعديل مداخيل مواطنيه، بزيادة صادراته إلى أشقائه وتحديداً المملكة، وزيادة أعداد المهاجرين للعمل فيها، وتشجيع استمرار تدفق التمويل لمشروعات التنمية في البلاد بدعم من المملكة تحديداً، وهو ما كان يتم دون أن تمن بذلك على شقيقتها، غير أن إيران كانت لاعباً مخادعاً وحاقداً، وكان علي صالح وعبدالملك الحوثي ألعوبة بيدها لتنفيذ ما تمليه عليهما فحالوا دون تحقيق ذلك.