لا شيء في اليمن يبعث على الارتياح، أو يشير إلى السعادة، أو ينقلنا إلى أجواء يجللها الحب والوئام؛ فالصورة عن اليمن باهتة، والوضع كئيب، والحالة مزرية، والخوف يطرق كل باب، ويسود كل شارع، ويلقي بآثاره في كل مفاصل الحياة هناك. وقرقعة السلاح، والنيران الملتهبة، والدمار الشامل، ودماء الأبرياء في الطرقات وأرصفة الشوارع وتحت الأنقاض، هي مظاهر مؤلمة للحالة اليمنية منذ شهور عدة.
***
فمَنْ المسؤول عن كل هذا؟ ومن يؤيده ويسنده، ويعطيه كل هذا الدعم، ولا يتردد في إعلان موقفه المؤيد دون تحفظ على حالة التسيب والفوضى، وتفريغ اليمن من نظام شرعي تم انتخابه؟ ومَنْ فتح الأبواب أمام معارك قتالية بين أبناء الوطن الواحد تعزيزاً للأجندة المشبوهة القائمة على تمزيق الوطن؟ ومن هذا الذي يريد أن يحوّل اليمن إلى كيانات صغيرة تتقاتل فيما بينها بحسب الانتماء الطائفي والمذهبي والقبلي؛ فتؤذي نفسها، وتعرِّض مستقبل اليمن للمجهول؟
***
يمضي اليمن هكذا، وما يحدث فيه من فوضى (غير خلاقة) لا يمكن أن يسجَّل ضمن مجهول؛ فإيران لا تخفي دعمها لعملائها في اليمن، وتعاطفها معهم، وتأييدها لتوجُّهاتهم، ومساندتها لانقلابهم على الشرعية، بينما تقوم مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع بتنفيذ الدور الإيراني المشبوه في اليمن بامتياز، ولا تجد غضاضة بإعلان تحالفها مع طهران، أو تعاونها وتلاقيها مع هذا العدو الذي لعب دوراً خطيراً وغير مسبوق في العراق وسوريا والبحرين، وها هو الدور ذاته يتكرر في اليمن من أجل أن تكون دولنا جميعها في حالة من عدم الاستقرار.
***
بهذا، قد توجد أطراف أخرى غير إيران تلعب بالنار في اليمن الشقيق، لكنها ممارسات تقتصر على أدوار جانبية وغير مؤثرة كما هو الدور الإيراني الذي يقوم على التخطيط والدعم بالسلاح والمال، ويعتمد على المذهب في التأثير على عقول الحوثيين وأتباع علي عبد الله صالح. وهو دور لم يأتِ من فراغ، ولم يكن مصادفة أملتها أحداث حصلت للتو، وإنما هو عمل بُدئ فيه مبكراً، ووُلدت أفكاره في قم، حيث البعثات الدراسية لأعداد غير قليلة من اليمنيين لتلقي العلوم في الأراضي الإيرانية، وتوظيف هؤلاء - كون دراساتهم تتم على حساب إيران - في تمرير أجندتها وأفكارها ومخططاتها في عقولهم.
***
إن مأساة اليمن ستبقى تراوح في مكانها، ولن تكون في وضع أفضل مما هي عليه الآن في المستقبل القريب ما لم تكن هناك إرادة دولية قوية وصادقة، تُلزم الانقلابيين بالتراجع عن انقلابهم، وإعادة السلطة إلى الرئيس المنتخب تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 2216 الذي نص على ذلك. وإذا ما ظلت دول العالم، وتحديداً الدول الكبرى منها، تتفرج، ولا تلقي بالاً لما يجري في اليمن، فإن الوضع مرشح للتفاقم، وفي النهاية سوف يتحول اليمن إلى بقعة لتبني نشاط الإرهابيين، وتمرير الممارسات الإرهابية إلى مختلف دول العالم.
***
اليمن - كما أراها - أرض خصبة ومهيأة لأن تكون مكاناً آمناً وملاذاً مناسباً للإرهابيين، وتركُها تغلي، وتعيش بهذه الفوضى، وتئن من جروحها، لا يخدم السلام في العالم، ولا يؤمِّن الأمن والاستقرار لدول المنطقة، ويجعل الوضع يؤول إلى ما هو أكبر وأخطر وأعمق مما نراه الآن، خاصة بعد أن تبيّن للانقلابيين ومَن يدعمهم عجز مجلس الأمن عن حماية قراره، وفشله في تطبيق بنوده؛ وهو ما سوف يشجِّع هؤلاء على التمادي والتمدد، وربما كانت داعش تستعد للظهور أمام العالم ولكن هذه المرة من صنعاء.