د. محمد بن يحيى الفال
تجد الأقليات في دولة الملالي تهميشاً مُمنهجاً واستبداداً مُلاحظاً ومعروفاً للعالم كله والذي يقف عاجزاً أمام وضع حد له، وآن الأوان بعد أن أصبح الأمر خارج السيطرة وضع حد للانتهاكات العنصرية من قبل النظام الإيراني ضد الأقليات التي تعيش في إيران،
والتي هي في واقع الحال ومن ناحية إحصائية يشكلون الغالبية العظمي من سكان الدولة الإيرانية والتي لا يتجاوز فيها المكون الفارسي نسبة 47% من العدد الإجمالي للسكان. أضحت إيران دولة عنصرية بامتياز مع تفاقم الاستبداد ضد غالبية مواطنيها من الأقليات الأذربيجانية، الأكراد، الأرمن، التركمان، الأشوريين، البلوش، واليهود والتي وفي مفارقة واضحة تتنافي مع الخطاب الناري ضد اليهود، لم يُستثنَ من قمعها سواهم، والذين منحتهم دولة الملالي امتيازات لا تتوفر لغيرهم من الذين يعيشون وضعاً مزرياً وبطشاً مستمراً. وضخت الدعاية الإيرانية كل ما لديها من إمكانيات لطمس وإذابة كافة الهويات القومية المكونة للدولة الإيرانية وجعلها جميعاً تدور في فلك القومية الفارسية المهيمنة على كافة مفاصل الدولة في إيران. ولعل الأغرب من ذلك فإن المرء في إيران لا يشفع له كونه فارسياً، إن لم يكن شيعياً جعفرياً يؤمن ويعتقد بالمذهب الاثنى عشري، وزاد بعد الثورة الإسلامية المزعومة بعداً آخر لإثبات الولاء وهو الاعتقاد الذي لا يتجاوزه شك بعقيدة ولاية الفقيه، الذي يعطي للمرشد الأعلى في إيران حق الولاية على الأمة إلى حين عودة الإمام الغائب المنتظر. وولاية الفقيه التي كان أول من تطرق لها أحمد التراقي في كتابه « عوائد الأيام»، قبل ما يقارب المائة والثمانين، أصبحت ومنذ الثورة الإيرانية لقب مرادف للمرشد الأعلى للثورة في إيران، فهو إضافة لتسميته الرسمية بالمرشد الأعلى، فهو أيضا الولي الفقيه. مما يعني بأن المرشد الولي الفقيه يتمتع بالعصمة ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكأن ما يراه هو قرآن منزل والعياذ بالله، ولتتحول إيران بعد ثورتها الإسلامية المزعومة إلى دولة دينية بالمفهوم المسيحي الكهنوتي الذي كان سائداً في أوروبا أبان حقبة العصور الوسطى (Theocratic State). وكان نتيجة ذلك هو انتخابات صورية تأتي برئيس سواء من التيار المحافظ أو التيار الإصلاحي الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي حسن روحاني، رئيس بلا صلاحيات حقيقة، فالأمر في إيران الملالي، من ألفه إلى يائه بيد المرشد المعصوم.
عنصرية إيران ضد مواطنيها لم تعد سراً أو تصرفات عابرة، ولو كان الحال كذلك فما كان لنا أن نرى انتفاضة المكون الكردي في مدينة مهاباد الواقعة في أقصى شمال غرب إيران، والتي انتفضت بعد أن تناقلت وسائل الإعلام بالصورة كيف أن الشابة الكردية، فريناز خسرواني، قد دفعت حياتها ثمناً لشرفها الذي حاول أن ينتهكه موظف يعمل بأحد القطاعات الأمنية التابعة لدولة الملالي، العقل والمنطق يقولان بأن الحادث لو كان فردياً لما رأى العالم كيف انتفض الأكراد في مهاباد وأربع عشرة مدينة وحاضرة كردية في إيران للدفاع عن شرفهم الذي يعرفون قبل غيرهم بأنه يتعرض للاستباحة بشكل ممنهج، وبدون رادع من قبل الحكومة المركزية في طهران، والتي سارعت في تكذيب خبر الاغتصاب، لتضطر للاعتراف به بعد أن شاهد الجميع وبالصور تفاصيله عبر شاشات التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي. قبل عدة أشهر أعدمت السلطات الإيرانية مهندسة الديكور ذات السبع والعشرين ربيعاً السنية الفارسية ريحانة جباري بتهمة قتل من حاول اغتصابها وهو أيضاً كان من منسوبي أحد أجهزة الأمن الحكومية في إيران. الحوادث والوقائع كثيرة ومتعددة والتي تؤكد بأن مسؤولي الأمن في إيران قد أطُلقت أيديهم في العبث كما يشاءون في أعراض وحقوق الأقليات في إيران، بمعرفة منهم بأن الدولة قد تركت لهم الحبل على الغارب من أجل إذلال من لا ينتسب لعقيدة الملالي، والتي تسمح فقط لمن ينتسب لها بأن يحصل على حقوقه في إيران الملالي. سجلت ريحانه قبل إعدامها في رسالتها الأخيرة لأمها والتي تتفطر لها أقسى القلوب قسوة بسبب الظلم الذي وقع عليها وفي وصف دقيق بليغ ينبض صدقاً لما مرت به من مأساة، قالت ريحانة تصف ليلة اغتصابها» تلك الليلة المشئومة هي الليلة التي كان يجب أن أقتل فيها، كان سيتم إلقاء جسدي في ركن من أركان المدينة، وبعد بضعة أيام، كانت الشرطة سوف تستدعيك لمكتب الطبيب الشرعي للتعرف على جثتي، وهناك كنت ستعلمين أني تعرضت للاغتصاب. القاتل لم يكن ليتم العثور عليه لأننا لا نملك ثرواتهم وقوتهم، ومن ثم سوف تقضين حياتك في معاناة وعار، وبعد سنوات سوف تتوفين نتيجة هذه المعاناة، وكان كل شيء سينتهي هناك» وتضيف في وصف معبر عن العنصرية التي واجهتها في خلال محنتها من قبل نظام ربتها أمها على إنه وطنها» هذا البلد الذي زرعتِ حبه في داخلي، لم يكن يريدني أبداً». عبرت ريحانة جباري عن مأساتها في رسالة تشهد على مدىلظلم الذي وصل إليه الحال في نظام الملالي، وشاهد العالم بالصورة ما حدث للكردية فريناز خسرواني، والتي لم تجد ملاذاً يحميها من سطوة أحد رجال أمن النظام، سوى القفز من نافذة الفندق الذي كانت تعمل فيه، لتلقي حتفها. وبين وقبل وبعد إعدام ريحانة جباري وموت فريناز خسرواني هناك مئات الآلاف من الضحايا الذين يلقون، وسيلقون حتفهم بأشنع طرق القتل ظلماً وعدوناً في إيران الملالي. ولعل الأمر المثير للاستهجان أن دولة الملالي بإيران ذات الرصيد غير المسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان داخل إيران لا يضاهيها فيها إلا ربيبتها إسرائيل، تجد في نفسها الجرأة والوقاحة أن تتحدث عن حقوق الإنسان في دول المنطقة. ولقد صرح مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران أحمد شهيد مراراً وتكراراً بأن السلطات الإيرانية تنتهك وبشكل ممنهج حقوق الإنسان وبإعدامات على الهوية بلغت العام الماضي ما يقارب الألف ضحية بينهم أحداث، وتم إعدام ما يقارب المائة شخص من بداية هذا العام، منهم صحفيون ومعارضون سياسيون. ولم يطب لملالي طهران أن يكتفوا فقط في إذلال وسحق شعوبهم، بل نقلوا قمعهم إلى إي بقعة استطاعوا أن يجدوا فيها موطئ قدم، فالمليشيات الشيعية في العراق والمدربة على يد الحرس الثوري الإيراني أصبحت تتفنن في أساليب القتل على الهوية التي تنتهجها، والتي لا تخلو نشرات الأخبار من تغطية أحداثها بشكل يومي. وفي سوريا أبيد مئات الآلاف وشُرد الملايين بدعم إيراني لنظام دموي مذهبي، وفي اليمن الذي أضحى حلقة من حلقات التدخل المذهبي الإيراني السافر، تحاول عصابة صالح والحوثي فرض أجندة ملالي طهران المذهبية على غالبية الشعب اليمني الشافعي المذهب.
جرائم الملالي وأياديهم الملطخة بدماء الأبرياء لن تذهب هباء أو أدراج الرياح، فسنن الله في الكون سوف تقتص منهم عاجلاً أو أجلاً، وانتفاضة الأكراد في مهاباد مؤشر واضح بأن ظُلم الملالي قد بلغ مداه، ومع أكثر من منطقة مرشحة للانتفاض على رأسها بلوشتان والأحواز، هي مؤشرات تؤكد بأن ظلام الليل في إيران الملالي قد بدأ ينجلي، وبأن قيد الذل والقهر فيها لا بد مُنكسر.