سعد الدوسري
تختلف المراحل الزمنية باختلاف المصالح التي تربط بين الشعوب التي تعيش فيها. ففي وقت من الأوقات، كان الألمان يمثلون النازية الدموية الهتلرية الاستعمارية، وكانت معظم شعوب العالم تكرههم أو تخشاهم. وفي زمان لاحق، صار هؤلاء الألمان يمثلون السيارات الفارهة البالغة الفخامة والباهظة السعر، وصارت الشعوب تعتبرهم رمزًا للرفاهية.
في الخمسينيات والستينيات، كان الروس رمزًا للالحاد والشيوعية. وكان مَنْ يؤيد نظرية روسية أو كاتبًا روسيًا، يخرج من الملة. وحينها، بقى المثقفون العرب اليساريون منبوذين، وذلك لأنهم يرون أن مصالح شعوبهم لا تتفق مع النزعة الامبريالية الأمريكية، بل مع الاشتراكية المحبة للسلام وللفقراء والنابذة للاحتكار وللثراء الفردي الفاحش. وكان المجتمع إذا أراد أن يخرج كاتبًا أو إعلاميًا أو مفكرًا من دائرته، يطلق عليه لقب «يساري»، وكانت تعني المنشق عن الدين وعن الدولة، وصارت كل تهمة اجتماعية أو فكرية أو إعلامية أو ثقافية، تُلصق به!
اليوم، توسعت دوائر الفهم، وتقلّصت دوائر الأعداء. ومَنْ كان حليفًا بالأمس، ربما لم يعد يمثل شيئًا ذا جدوى. وبناءً عليه، فإن المصطلحات الرنانة التي كان البعض ينتفعون في إطلاقها على الآخرين، أو يصفّون حساباتهم من خلالها، لم تغدو صالحة لهذه الأغراض، خاصة أن الدولة بدأت تعيد حساباتها في مَنْ سيكونون أصدقاءها في هذه المرحلة، وسيكون محرجًا لهواة إطلاق الألقاب، أن يصفوا كاتبًا بصفة يريدون أن تكون معيبة، في حين أن الدولة اتجهت للتحالف مع أصحاب اللقب.