كوثر الأربش
تخيل أن ينطلق متسابقون في أنحاء متفرقة، على أن تكون نقطة النهاية واحدة، يعرفها الجميع. أحدهم انطلق شرقاً أو غرباً، وملتقاهم، هدفهم، نقطة الوصول واحدة.
كيف إذاً لو أن الهدف: الصلة بالله؟ هل سيطرد الله مصلياً ما لأي سببٍ؟ لا أحد يمكنه أن يأخذ دور القدرة الإلهية، لا الحساب النهائي ولا قبول الله من رفضه. إننا حين نصلي نهرب من وحشيتنا، دنيويتنا، خطايانا ومنافعنا. نصبح فقط تلك الأرواح الوالهة التي تحوم حول الضوء.
لا ينبغي للمصلي أن يحضر بين يدي الله بصفته القبلية أو الاجتماعية أو الاثنية أو المذهبية. هو فقط مُصلٍّ. هكذا وبكل تجرد. وليست القيمة في رصيد المصلي أو هندامه، وليست في منصبه أيضاً، لكن القيمة كلها في مقاصده، خشوعه وصدق نيته وحسب. في دوائر حول العالم مركزها مكة، ولخمس مرات في اليوم، هناك ملايين الجباه الساجدة، والألسن اللاهجة، والقلوب المتعلقة بأطراف الرجاء. وفي الصف الواحد يركع وزير وحارس بوابة، متقاعد وطالب في الصف السادس الابتدائي. هل يبدو ما أقوله هنا بدهياً؟ طرأ في ذهنك وأنت ترى النقل الحي لصلاة الجمعة من مكة المكرمة؟ أحسب أني لست بحاجة للتنبؤ بالإجابة. فلماذا إذاً حتى في صلاتنا - وهي الحالة المتجردة لله - نكرس للعزلة الاجتماعية والتصنيف بمساجد لكل طائفة؟
على هامش تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت صلى آلاف الكويتيين، سنة وشيعة، وشاركهم أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، صلاة جمعة "موحدة". فإذا لم تكن الصلاة (وهي الحالة التي تمحض الإنسان وتخلصه من عوالق الشر) إذا لم تكن هي من توحد صفوفنا، فماذا سيكون إذاً؟ في الصلاة حيث المساحة البيضاء بين العبد وربه، العبد بمعنى العبودية والخضوع والتصاغر أمام الحضور الإلهي المفعم بالكمال.
تخيّل - ثانية - أن نتمكن من الصلاة في المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى، المسجد الذي هو لا سني ولا شيعي. تُرانا سنقسمه بحائط يحفظ لكل منا فئته وطائفته؟ ترى من سيؤذن؟ ترى هل سيؤمنا إمامان؟ أم أن هذا الحلم الحزين لن يتحقق لأننا مشغولون حالياً. مشغولون جداً بمراقبة بعضنا بعضاً. مراقبة أيدي المصلين إسبالاً أم تكتفاً. يمسح خفه في الوضوء أم لا يجوّز ذلك؟ حقاً من يلومنا في شغلنا الشاغل هذا!
أخشى أن صلاة موحدة تجمعنا ستبقى حُلما أبيض يسكن مهاجعنا. وأخشى أن لا نستيقظ من غفلتنا ليضحك على مشاغلنا المهمة أعداء إسلامنا وعروبتنا، كما ضحكوا علينا بأبي بكر البغدادي الذي اتضح أنه ليس أبا بكر وليس بغدادياً، إنما هو "سايمون إليوت" العميل للموساد الإسرائيلي، كما نُشر على الموقع الأمريكي Veterans Today وقد تم تدريبه وزرعه في خارطتنا ليشغلنا بالتناحر أكثر مما نحن مشغولون.